للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تؤكد ضياع لك الملك الذي كان - ضياع قوة الشباب، ولكن الشاعر قد نسى واقعه وهو يخلق هذه القصيدة، وعاش في فترة الشباب يوم كانت تلك الملكية من أدواته.

وسواء أحس الشاعر أم لم يحس بضعفه فإنه لجأ إلى أمور يخفى بها وجه ذلك الضعف، فاستمد من روح الفتك القديمة بعض تعابيره:

خطبنا بنات لها أربعا ... ليفترع اللهو أبكارها وتلاعب تلاعباً جميلاً - لفظياً كان أو معنوياً - ليزين الصورة:

طرحت بميزاتها درهمي ... فأجرت من الدن دينارها أو جانس في اللفظ أو اتكأ عليه - كما كانت تضغط يده على العصا - وهو يشد على الحروف شداً يخيل إليك معه أنه يفتعل القوة افتعالا.

فالساقية " زرّرَت " أزرارها والقيان " سكَّنت حركات الأسى، وواحدة منهن " تقبل " مزمارها والشمع عمد " صفَّفت " وهي " تقلّ " الدجى على هامها وكأنها " تسلط " عليها آجالها " فتمحق " أعمارها والأسى " يهيج " التذكار وهكذا في كل قصيدة حتى لتستطيع أن تصلح بعض الروايات في قراءة أبيات معنية منها فابن حمديس لا يقول في هذه القصيدة " وراهبة أغلقت ديرها " ولكن يقول " غلقت " ولا يقول تثور فيقتل ثوراها وإنما يقول " فإن ثرن قتل ثوارها " حتى إذا انتهى الوصف في هذه القصيدة ووقفت الحركات، وقف ابن حمديس - كما يفعل دائماً - وقفة الحزين الذي يجر لحنه الأخير جرا ليشعرنا بأنه قارب النهاية فقال:

ذكرت صقلية والأسى ... يهيج للنفس تذكارها

ومنزلة للصبا قد خلت ... وكان بنو اللهو عُمارها

فإن كنتُ أخرجت من جنة ... فإني أحدث أخبارها وعند هذه الغاية نشهد آدم القديم يتحدث عن نفسه وعن لجنة التي أخرج

<<  <   >  >>