للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فانفتحت أمامهم الطريق إلى جنوبي إيطاليا. والظاهر أن جهودهم هذه حولت انتباههم عن بقية صقلية، وأتاحت للمدن فرصة تتقوى فيها. لكن أعمال السرايا القائمة على تخريب لم تنقطع فكانت تخرج في الصيف والشتاء.

وانضم إلى هذه الأعمال الابتدائية عامل ساعد على الفتح، وبه انهار الركن الثاني من المقاومة؟ ذلك هو الخيانة المحلية فبمساعدتها تم الاستيلاء على قصريانة في ولاية العباس بن الفضل. ففي سنة ٢٤١ أقام العباس ثلاثة أشهر حول قصريانة، يقتل ويصيب ويغنم، وكان ممن أسره المسلمون رجل كان له عند الروم قدر ومنزلة (١) فلما راى هذا الرجل أنه مقتول، طلب إلى العباس أن يستبقيه ووعده بأن يسهل للمسلمين فتح قصريانة؟ كان الوقت شتاء والثلج قد غطى البقاع، وأهل قصريانة آمنون من قصد المسلمين وغير مستعدين للقاء، فأرسل العباس مع الرومي نحو ألفي فارس من عسكره، فدلهم على المدخل إلى المدينة، فدخلوا ووضعوا السيف في الروم وفتحوا الأبواب، ولما دخلها العباس بني فيها في الحال مسجداً ونصب فيه منبراً وخطب فيه الجمعة، وقتل من فيها من المقاتلة وأسر من فيها من بنات البطارقة بحليهن، وأصابوا فيها ما يعجز الوصف عنه، وأهدى من سبيها للمتوكل وبسقوطها ذل الشر يومئذ بصقلية ذلا عظيما (٢) . وارتجت المعنويات واهتزت لسقوطها القسطنطينية، وأرسلت أسطولاً ليثأر لها ففجأه المسلمون وقضوا عليه.

ولم تعترف صقلية بالهزيمة لأن قسمها الشرقي وهو أقربها إلى القسطنطينية كان لا يزال ممعناً في المقاومة بتحريض من الإمبراطور، بل إن كثيراً من القلاع التي استسلمت للمسلمين انتقضت عليهم سنة ٢٤٦ ولم يجد الوالي المسلم بدا من تحصين قصريانة، لتكون ملجأ يلوذ به المسلمون كما يلوذ الروم بسرقوسة. بل إن العباس حاول التحرش بسرقوسة نفسها ولكن منيته أدركته عند غيران قرقنة، وطويت بموته صفحة من البطولة والشجاعة والجهاد


(١) ابن الأثير ٧/٢٠ والمكتبة ٢٣٢.
(٢) ابن الأثير ٧/٢٠ والمكتبة: ٢٣٢ - ٢٣٣.

<<  <   >  >>