كتاب دراسات في الباقيات الصالحات

باب: المبحث الخامس: في التكبير فضله ومعناه - في معنى التكبير وبيان مدلوله - ص: 101

كحلقة من حديد ألقيت بين ظهري فلاة من الأرض" ١.

وليتأمّل المسلم في عظم السماء بالنسبة إلى الأرض، وعظم الكرسيِّ بالنسبة إلى السماء، وعِظم العرش بالنسبة إلى الكرسيِّ، فإنّ العقولَ عاجزةٌ عن أن تدرك كمال هذه الأشياء أو أن تحيط بكُنْهِها وكيفيتها وهي مخلوقة، فكيف بالأمر إذاً في الخالق - سبحانه -، فهو أكبر وأجلُّ من أن تعرف العقولُ كُنْهَ صفاته أو تدرك الأفهامُ كبرياءَه وعظمتَه، ولهذا جاءت السنةُ بالنهي عن التفكّر في الله؛ لأنّ الأفكار والعقول لا تدرك كنه صفاته، فالله أكبر من ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: " تفكّروا في آلاء الله، ولا تفكّروا في الله عز وجل " ٢.

والتفكّرُ المأمور به هنا كما يبيّن ابن القيّم - رحمه الله - هو إحضار معرفتين في القلب ليستثمر منهما معرفة ثالثة٣، وهذا يتضح بالمثال، فالمسلم إذا أحضر في قلبه كبر هذه المخلوقات من سموات وأرض وكرسي وعرش ونحو ذلك، ثم أحضر في قلبه عجزه عن إدراك هذه الأشياء والإحاطة بها حصل له بذلك معرفة ثالثة وهي عظمة وكبرياء خالق هذه الأشياء وعجز العقول عن أن تدرك صفاته أو تحيط بنعوته - سبحانه -، يقول - سبحانه -: {وقُلِ الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُن لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} ٤، فالله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلاً.

---

١ رواه أبو نعيم في الحلية (١/١٦٦) ، وأبو الشيخ في العظمة (٢/٦٤٨ - ٦٤٩) ، والبيهقي في الأسماء والصفات (٢/٣٠٠ - ٣٠١) ، وغيرهما، وقد صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم:١٠٩) بمجموع طرقه.
٢ رواه اللالكائي في شرح الاعتقاد (٣/٥٢٥) ، وأبو الشيخ في العظمة (٢/٢١٠) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
وإسناده ضعيف جدًّا، لكن له شاهد من حديث أبي هريرة، وعبد الله بن سلاَم، وأبي ذر، وابن عباس. وقد حسّنه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم:١٧٨٨) بمجموع طرقه.
٣ مفتاح دار السعادة (ص:١٨١) .
٤ سورة: الإسراء، الآية: (١١١) .