لننظر في نتائج وآثار العقوبات الإسلامية في المجتمع الإسلامي، وآثار العقوبات الوضعية في المجتمعات الأخرى.
لقد كانت آثار هذه العقوبات التي يزعمون أنها قاسية، لقد كانت آثارها الاستقرار والأمن الذي لا يتصور، فلا تكاد تحدث جريمة، فاطمأن الناس على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم وانصرفوا إلى العمل والإنتاج والإصلاح حتى إن الرجل ليترك متاعه في الطريق دون أن يتعرض له أحد بسوء، وينقل لنا الأستاذ أبو الحسن الندوي انطباعات الأستاذ محمد أسد، وهو من النمسا عندما زار دمشق في أول القرن العشرين الميلادي، ويوم كانت دمشق تعيش تحت ظل الخلافة العثمانية، على ما كان فيها من تقصير وإهمال يقول:"وقفت على ذلك الاستقرار الروحي في حياة سكانها، إن أمنهم الباطني كان يمكن أن يرى في الطريقة التي كان أحدهم يتصرف بها نحو الآخر، ثم يسترسل فيقول: وفي الطريقة التي كان أصحاب الدكاكين يعاملون بعضهم بعضا، أولئك التجار في الحوانيت الصغيرة الذين كانوا يبدون وكأنما ليس فيهم أيما قدر من الخوف أو الحسد، حتى إن صاحب دكان فيهم ليترك دكانه في عهدة جاره ومزاحمه، كل ما دعته حاجته إلى التغيب بعض الوقت، وما أكثر ما رأيت زبونا يقف أمام دكان غاب صاحبه عنه، يتساءل فيما بينه وبين نفسه، ما إذا كان ينتظر عودة البائع أو ينتقل إلى الدكان المجاور، فيتقدم التاجر المجاور دائما " التاجر المزاحم "، ويسأل الزبون عن حاجته ويبيعه ما يطلب من البضاعة، لا بضاعته هو بل بضاعة جاره الغائب، ويترك له الثمن على مقعده، أين في أوربا يستطيع المرء أن يشاهد مثل هذه الصفقه. هذه صورة١.
أما الصورة الثانية: فينقلها لنا الأستاذ الدكتور عبد القادر عودة رحمه الله، وهو يشير إلى ازدياد الجرائم في المجتمع المصري، بسبب عدم تطبيق التشريعات الإسلامية، مقارناً بين المجيمع المصري والمجتمع السعودي في ظل الإسلام، فيقول إن الحالة الإقتصادية مهما قيل فيها لا تكون سبباً في ازدياد الجرائم، ما دامت العقوبة رادعة، وليس أدل على صحة هذا القول من الحالة في الحجاز، فلا شك أن الحالة الإقتصادية والاجتماعية في مصر أفضل منها في الحجاز، ومع ذلك فقد قلت الجرائم في الحجاز وازدادت في مصر وانتشر الأمن هناك واختل هنا. ولقد كان الحجاز في يوم ما مضرب الأمثال في اختلال الأمن والنظام، والجرأة على
١من نهر كابل إلى نهر اليرموك أبو الحسن الندوي ص ١٥٥.