للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الوجه الثاني لصورة عطش المسلمين إلى من يرشدونهم ويعلمونهم، وتمثل جهل المسلمين خارج القارة بإخوانهم، إنها نماذج محزنة أذكر لكم بعضها ولا أطيل لأنني لا أريد أن أبعث الألم في نفوسكم، والحسرة في قلوبكم، إليكم مثالا شاهدته في زامبيا أنقل لكم حرفيا من مذكراتي اليومية ما يتعلق به، وهذا نصها: يوم الأحد ١٩- ٦-٨٤ هـ الموافق ٢٥-١٠-١٩٦٤م ذهبنا بالسيارة من مدينة اندولا في روديسيا الشمالية (زامبيا الآن) إلى حي أفريقي يبعد ثلاثة أميال عن المدينة المذكورة إلى الشرق منها، وذلك لزيارة الجمعية السلامية الأفريقية في اندولا، وللصلاة في المسجد الجامع الوحيد في تلك المنطقة، وقد قابلنا رئيس الجمعية وأمين سرها كما شاهدنا المسجد فوجدناه نظيفا واسعا يتسع لحوالي (ثلاثمائة مصلي) ، كما أن فيه ركنا مخصصا للنساء، ولكن المسجد بحاجة إلى فرش إذ لم يفرش منه إلا قسم قليل جدا، فرش ببطانيات من الصوف صنعتها النساء المسلمات بأيديهن، أما باقي أرضية المسجد فهي بلاط أقرع، كما أنه لا توجد للمسجد منارة ولا دورة مياه للوضوء، ومن المشاريع التي تدور في أذهان أعضاء الجمعية المذكورة ويعتبرونها حلما يسألون الله تعالى تحقيقه أن يتمكنوا من بناء غرفة للإمام وغرفة للمؤذن بجانب المسجد، أما بناء المسجد نفسه فقد تم بطريقة مؤثرة لقد تقدم نفر من المسلمين الأفريقيين، وهم فقراء كلهم من العمال، تقدموا إلى السلطات الإنجليزية بطلب الترخيص بتكوين جمعية تقوم بجمع مبالغ من المال لبناء المسجد، ثم أخذوا طيلة سبع سنوات يجمعون ما تيسر لهم بالشلن الواحد ونصف الشلن وربعه، يطوفون البلاد من أولئك العمال الفقراء على فقرهم حتى جمعوا مبلغ ستة آلاف جنيه أستراليني، وقد اشتروا بها المواد اللازمة من الحديد والأسمنت والآجر والحديد اللازم للسقف، أي اشتروا ما يحتاجونه إليه من مواد البناء ولكن لم يبق معهم شيء لأجور العمال.

ومع ذلك لم ييأسوا، فذهبوا إلى مهندس إنجليزي وطلبوا منه الأشراف على العمل، وعندما بدأ التنفيذ شاهد ذلك المهندس الإنجليزي منظرا مؤثرا، لقد شاهد كل من وجد فسحة من وقته منهم، يحضر من كافة الأعمار من الرجال والنساء وحتى الأطفال عندما يفرغون من المدارس والشيوخ والعجائز كل منهم يأتي للمسجد ويساهم في بنائه، ذلك يحمل لبنة وآخر ينقل التراب، وآخرون يساعدون على خلط الأسمنت حتى بعض العمال الذين يعملون الذين كانوا يخرجون محطمين من مناجم النحاس تحت الأرض التي يعملون فيها، والذين يشاهدون عند خروجهم من جوف الأرض كأنما خرجوا من القبور، كل من يستطيع العمل منهم يساهم بقدر ما أبقى جوف الأرض في جسمه

<<  <   >  >>