للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واعلم أن الجواهر لا ضد لها أصلا، فان وضعت بالتضاد يوما، فإنما يراد أنها تتضاد كيفياتها فقط. وبهذا المعنى أن يكون الأول ضدا لخلقه لأنه عز وجل لا كيفية له أصلا والتضاد لا يكون إلا في كيفية على مكيف، فالبارى عز وجل ليس ضدا ولا مضادا ولا منافيا لا إله إلا هو.

والجوهر لا يقال فيه أشد ولا أضعف أي لا يكون حمارا أشد في الحمارية من حمار آخر، ولا تيس أشد في التيسية من تيس آخر، ولا إنسان أضعف إنسانية من إنسان آخر، وكذلك الكمية أيضاً على ما يقع في بابها إن شاء الله عز وجل وإنما يقع التضاد والأشد والأضعف في بعض الكيفيات على ما يقع في بابها، إن شاء الله.

ورسم الجوهر هو أن تقول: إنه القائم بنفسه القابل للمتضادات، فان النفس قائمة بنفسها تقبل العلم والجهل والشجاعة والجبن والنزاهة والطمع وسائر المتضادات من أخلاقها، التي هي كيفياتها، وكذلك كثير من الاجرام تقبل البياض والسواد اللذين احدهما لون مفرق للبصر وهو البيض، والثاني جامع للبصر وهو السواد. وكثير منها يقبل الحر والبرد والمجسة، التي هي خشونة أو املاس، والرائحة التي هي طيب أو نتن، وغير ذلك من الصفات التي تقع عليها الحواس؛ فكل قائم بنفسه قابل للمتضادات لأنه حامل لها في ذاته، وبهذا خرج الباري عز وجل عن ان يكون جوهرا أو يسمى جوهرا، لأنه تعالى ليس حاملا لشيء من الكيفيات أصلاً [٢٠ و] فليس جوهرا.

أما ما (١) يظن قوم من ان الكيفية تقبل الأضداد لأن اللون يقبل البياض والحمرة فذلك ظن فاسد، لأن انواع الكيفية بعضها من الأضداد أنفسها، فبي متضادة بذاتها، لا حاملة للتضاد في ذاتها، بل هي الأضداد المحمولة انفسها، والجوهر حامل لها كزيد، مرة هو صبي، ومرة هو شيخ، ومرة هو اصفر من الفزع أو المرض، ومرة هو اسمر من الشمس، ومرة هو حار لقربه من النار، واخرى بارد لقربه من الثلج، ومرة قاعدا ومرة قائما، وهو زيد نفسه. وكل هذه كيفيات واعراض متعاقبة عليها ذاهبة وواردة، فبعضها متضاد وبعضها مختلف. وكذلك الكلام والفكر الذي هو التوهم لا يقبلان الأضداد


(١) اما ما: مما.

<<  <   >  >>