قويّا فى أمر الله، متواضعا فى نفسك، عظيما عند الله؛ جليلا فى الأرض، كبيرا عند المؤمنين. لم يكن لأحد عندك مطمع ولا لأحد عندك هوادة؛ فالقوى عندك ضعيف حتى تأخذ الحقّ منه، والضعيف عندك قوىّ حتى تأخذ الحقّ له. فلا حرمنا الله أجرك، ولا أضلّنا بعدك.
فانظر إلى هذا الأسلوب العجيب، وتأمّل هذا النّمط الغريب؛ الذى جمع بين سلاسة الألفاظ وإيجازها، وإصابة المعانى وإعجازها. ولا يستكثر على من أنزل القرآن بلغتهم، أن يكون هذا القول من بديهتهم.
ولنذكر لمعة من رسائل البلغاء والفضلاء، ولمحة من أشعار الأدباء والشعراء.
فمن ذلك رسالة كتبها الوزير الفقيه الكاتب أبو القاسم محمد بن عبد الله بن الجدّ، إلى الوزير الفقيه أبى القاسم الهورينى يعزّيه عن أخيه، ابتدأها بأن قال:
لا بدّ من فقد ومن فاقد ... هيهات ما فى الناس من خالد
كن المعزّى لا المعزّى به ... إن كان لا بدّ من الواحد
إذا لم يكن بدّ من تجرّع الحمام، وتشتّت النّظام، وانصداع شمل الكرام؛ فمن الاتفاق السعيد والقدر الحميد أن يرث أعمار البنية الكريمة مشيّد علاها، وتسلم من القلادة وسطاها، فمدار الكنانة على معلّاها، وفخار الحلبة بمحرز مداها. وفى هذه النّبذة إشارة إلى من فرط من الإخوة النبلاء، ودرج من السادة النّجباء؛ فإنهم وإن كانوا فى رتبة الفضل صدورا، وغدوا فى سماء النّبل بدورا؛ فإنّ شمس علائك أبهر أضواء وأزهر أنوارا، وظلّ جنابك على بنيهم ومخلّفيهم أندى آصالا وأبرد أسحارا.
نعى إلىّ- أوشك الله سلوانك، ولا أخلى من شخصك الكريم مكانك! - الوزير