للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

لم تُبن إلا للمفعول الذي لم يسم فاعله، أومن فعلٍ يجوز أن يُبنى للفاعل، ويجوز أن يبنى للمفعول، فيجوز في الأول، ويمتنع في الثاني، وأصحها المنع مطلقاً ١ " كما كان الخلاف في التعجب من فعل المفعول.

ويصاغ مصدر المبنيِّ للمفعول على زنة مصدر المبني للفاعل تغليباً للثاني، لكثرته، أو استغناءً به، وقد ورد في كتاب الله مصادر ظاهرها أنها من المبني للمجهول، ومن ذلك قوله تعالى: {يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللهِ} ٢، {كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِين} ٣ "، {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ} ٤، و {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} ٥، و {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاة} ٦، الأصل: أن تُفعَل الخيرات. و {يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ} ٧، و {وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} ٨، و {فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ} ٩، و {لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ} ١٠.

فنسبة المصادر إلى فعل المفعول مسألة فيها خلاف، كما تقدم، ولكن هذه المصادر كلها مصادر للمفعول، ونكتفي بشرح "رهبة" ف "رهبة" مصدر "رُهِبَ " المبني للمفعول، كأنه قيل: أشد مرهوبية، فالرهبة واقعة منهم لا من المخاطبين، والمخاطبون مرهوبون، وهذا كما قال:

فلهو أخوف عندي إذ أكلمه ... وقيل: إنك مأسور ومقتول

من ضيغم بثراء الأرض مخدعه ... ببطن عثَّر غيل دونه غيل

فالمخبر عنه مخوف لا خائف ١١.

فحصلت إضافة المصدر إلى المفعول، ولم يمنع اللبس، وما دامت الأفعال فروع المصادر، فما المانع من نسبة الفعل إلى المفعول في التعجب، وخاصة إذا أمِنَ اللبس، وظهر المعنى؟.

وقد رد على اعتراض ابن ولاّد بأن المفعول- وإن قام مقام الفاعل في أنا نحدِّث عنه كما نحدث عن الفاعل- فنحن نعلم أنه مفعول في الأصل، فكيف يقال: أقمه مقام


١ دراسات لأسلوب القرآن الكريم ٢/ ٣/ ٢٣٤-٢٣٥.
٢ سورة البقرة آية ١٦٥.
٣ سورة البقرة آية ١٩١.
٤ سورة البقرة آية٢٦.
٥ سورة الأنبياء ٢٤.
٦ سورة الأنبياء ٣٣.
٧ سورة الأنبياء آية ١٠٤.
٨ سورة الروم آية ٢.
٩ سورة سبأ آية ٣٧.
١٠ سورة الحشر آية ١٣.
١١ انظر دراسات لأسلوب القرآن ٢/ ٣/ ٢٣٥-٢٣٦ ومصارده التي رجع إليها.

<<  <   >  >>