وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} ومع كل هذا التقديس تنكروا لإلههم بعد موته وكان الذي أنكره وأظهر عيوبه وجرائمه هو نائبه وشريكه في الحكم عشرات السنين (خروتشوف) ثم حلّ محله وتربى على منصة السيادة وورثه وظن أنها تدوم له فلم يلبث أن ذاق مرارة العزل وهوحي وأصبح في خبر كان وكل ما جاء مقدس جديد اشتعلوا به ونسوا الذي قبله ولم يبالوا بالتناقض فصار مدح هؤلاء وذمهم سواء لأن الذي يمدحونه اليوم يذمونه غدا والذي يثبتونه اليوم ينفونه غدا وبالعكس وما أحسن ما حكاه الإمام أبومحمد بن حزم، قال:"كان عندنا بالأندلس فقيه من أهل الفتوى وكان لا يفتي حتى يتقدمه غيره فيكتب تحته قوله: موافق لما قاله الفقيه أعلاه. فاتفق أن الفقهاء اختلفوا في مسألة فبعضهم أفتى فيها بالجواز وبعضهم أفتى بالتحريم فلما جاءوا بالصحيفة كتب أسفلها قولي موافق لما قاله الفقهاء أعلاه فقيل له إنهم تناقضوا فقال وأنا أيضا أتناقض كما تناقضوا".
وكانوا يعضلون النساء ويمنعوهن من الزواج لأغراض خسيسة فنهاهم الله عن ذلك في مواضع من كتابه وإنما ذكرنا بعض أخلاقهم قبل الإسلام ليعلم من لا يعلم فضل الإسلام الصحيح عليهم وعلى كل من دان به من غيرهم، وأما حالهم بعد الإسلام فهي أوضح وأظهر من شمس يوم الصحو، فما الذي غيّر حالهم من التشتت إلى الاجتماع، ومن التخاذل إلى التعاون، ومن الجهل إلى الحلم، ومن الذل إلى العز، ومن الفقر إلى الغنى، ومن الضعة إلى الرفعة إلى السيادة، ومن الضعف إلى القوة، ومن الفوضى إلى النظام, ومن تلك البقعة القاحلة الجرداء إلى الأراضي المخصبة والجنات المثمرة، والأنهار المطردة والأزهار الجملية، ومن البيوت الحقيرة إلى القصور الشامخة في آسية وأوروبة وافريقية؟ وكيف صارت الدول العظام التي كانت قبل إسلامهم هي الصالحة للبقاء لا تصلح إلا للفناء.
الجواب أن علماء التاريخ وعلماء العمران وعلماء تطور الأمم اتفقوا على أمر وهوان العرب بعد الإسلام صاروا أقوياء أغنياء سعداء متمدنين ذوي دولة ونظام، ثم اختلفوا، فالعقلاء المؤمنون بالله قالوا إن السبب المباشر في ارتفاعهم من حضيض الهمجية إلى سماء المدنية الفضلى هو الدين. وأما الذين لا يؤمنون بالله وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون فقد اعتقدوا أن القرآن ودعوة محمد صلى الله عليه وسلم نفخا فيهم روح الحياة وهذه الروح جعلتهم يتعلمون المدنية والعلوم من الأمم المغلوبة التي