للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الصبح، وحبب الله إليه الخلوة فلم يكن شيء أحب إليه من أن يخلو وحده"١. والمرحلة الثانية إنذار عشيرته الأقربين، ثم إنذار قومه صلى الله عليه وسلم من قريش، ثم إنذار قوم ما أتاهم من نذير من قبله وهم العرب قاطبة، ثم إنذار جميع من بلغته الدعوة الإسلامية إلى آخر الدهر٢.

وفي المدينة المنورة انتشر الإسلام، وتكونت جماعة مؤمنة متجانسة آخذة في النمو من المهاجرين والأنصار كنواة للأمة الإسلامية، وهو إطار عريض يظهر لأول مرة في الجزيرة العربية على غير نظام القبيلة. فقد انصهرت جماعة الأوس والخزرج في طائفة الأنصار ثم انصهر المهاجرون والأنصار في جماعة المسلمين، وبذلك تكونت جماعة كانت الأساس التاريخي للأمة الإسلامية ومهدت بذلك لكل من ينضم إليهم، قال ابن إسحاق في حديثه عن كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار وموادعة يهود: "هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم إنهم أمة واحدة من دون الناس"٣ ومن ثم وضع الأساس الذي ينظم العلاقة بين هذه الأمة ومن سكن معهم من أهل الكتاب، ولأول مرة تردَّ أمور هذه الجماعات إلى نظام يحتكم إليه "وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو إشتجار يُخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم"٤.

وسارت الدعوة الإسلامية في مسارها لتوحيد الجزيرة العربية على دين الإسلام فغزا الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه بضع وعشرين غزوة، أولها غزوة بدر وآخرها غزوة تبوك، وكان القتال في تسع غزوات، فأول غزوات القتال بدر وآخرها حنين والطائف، وأنزل الله فيها ملائكته. وعندما حاصر الطائف لم يقاتله أهلها زحفاً وصفوفاً كما حدث في بدر وحنين وإنما قاتلوه من وراء جدر٥.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتولى أمور الجهاد ويضعها في اعتباره ويهتم بها ويقود المسلمين ويخرج بهم فوضع بذلك المثل والقدوة في تطبيق مفهوم الجهاد قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي


١ ابن هشام، السيرة النبوية، تحقيق مصطفى السقا وآخرين، ج ١،٢ ص ٢٣٤ ط ٢ (القاهرة ١٣٧٥ هـ) . ولفظ البخاري رحمه الله " أول ما بدئ به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء ....." أنظر ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج١ ص٢٢، ط السلفية (١٣٨٠ هـ) .
٢ ابن القيم الجوزية، زاد المعاد في هدي خير العباد، ج اص ٣٨ (القاهرة ١٣٧٣ هـ) .
٣ ابن هشام، المصدر السابق، ج ١، ٢ ص ٥٠١.
٤ نفس المصدر ص ٥٠٤.
٥ ابن تيمية، المصدر السابق ج ٢٨ ص ٤٢٩.

<<  <   >  >>