إن المنبع الأول والأصيل الذي استقى منه الفكر أسباب تقدمه ونمائه، هو القرآن الكريم، فهو السر الكامن، وهو القوة المحركة، وهو الدعوة القائمة المستمرة.. وذلك أن القرآن لم يكن كتاب دين يحث على العبادة وتوحيد الله فحسب، وإنما كان إلى جانب تأكيد وحدانية الله، وما يتبعها من عقائد وعبادات.. منبعا أصيلا من منابع الحضارة، ولقد كان أول أثر من آثار القرآن في الحضارة الإنسانية، الاهتمام الواسع بالعلم، وذلك أن العلم عنوان التقدم الحضاري.. ولقد كانت عناية القرآن بالعلم، تفوق حد الوصف واستطاعت توجيهات القرآن العلمية أن تكون منهجا علميا سليما، حدد به المسلمون موقفهم من مشاكل الكون والحياة.
ومن هنا كان التفكير العلمي في الإسلام، يقوم على الموضوعية، والصدق، ومن الحوادث البالغة الدالة على العقلية الموضوعية، لدى الفكر الإسلامي، ما حدث مصادفة، أن كسفت الشمس يوم مات إبراهيم بن محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم. فقال قوم إنها كسفت لموت إبراهيم.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته". وبهذا قرر الرسول الصادق، مبدأ علميا، يعتمد عليه المسلمون، فيما يتصل بالكون وما فيه)) .
وفي حادثة فيضان نهر النيل، بإقليم مصر الإسلامي، موضوعية علمية، تنبئ عن نظافة الفكر الإسلامي.. حيث كان الاعتقاد قبل الفتح الإسلامي، أن النيل لا يفيض بالماء، إلا إذا ألقيت فيه فتاة حسناء، لتموت فيه غرقا. فلما حان وقتذاك. كتب الحاكم عمرو بن العاص، والي أمر مصر، إلى خليفة المسلمون عمر بن الخطاب، في المدينة المنورة، عاصمة الخلافة الإسلامية، يخبره بما تعود عليه المصريون فأجابه عمر بإرسال رسالة، يلقيها في النيل، وكان في الرسالة:((من عمر أمير المؤمنين إلى النيل إن كنت تجري من عندك فلا حاجة لنا بك، وإن كنت تجري بفضل الله، فاللهم بارك لنا)) .
وفي ميدان التطبيق العملي، نجد أن عمر بن الخطاب في خلافته، قد أمر بقطع شجرة الرضوان، لأن بعض الناس قد أسبغ عليها صفات غير موضوعية.. هذا وأمثاله مظهر للتفكير