للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تجيعوهم لقطعت أيديهم". لأن الجائع مأخوذ مأذون له في مغالبة صاحب المال على أخذ ما يسد به رمقه ويحفظ عليه الحياة.

ثم إنه على فرض التسليم: بأن ما فعله عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- كان تغيير للحكم، وإسقاطا للعقوبة. فليس فيه دليل على جواز ذلك. لأنه ليس فيمن دون رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حجة. وهذا أصل يقره عمر بن الخطاب نفسه فيما رواه ابن وهب عن يونس ابن يزيد عن ابن شهاب، أن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- قال: وهو على المنبر: "يا أيها الناس، إن الرأي: إنما كان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصيبا، إن الله كان يريه. وإنما هو منا الظن والتكلف"١.

ومن ذلك ما أخرجه البيهقي، من طريق الثوري بالسند إلى مسروق، قال: كتب كاتب لعمر بن الخطاب، فذكر في آخر كتابه: "هذا ما أرى الله، أمير المؤمنين عمر. فانتهره وقال: لا. بل أكتب: هذا ما رأى عمر. فإن كان صوابا: فمن الله، وإن كان خطأ فمن عمر"٢.

ويقول –رضي الله عنه-: "السنة ما سنه الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم- ولا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة" ٣.

خامسا: أما قولهم: "إن التشريع الذي تلائم أحكامه أمة ويتفق ومصالحها قد لا تلائم أحكامه أمة أخرى ويعارض مصالحها" فهذا ما نستعيذ بالله من شر خطراته على الذهن. فإن هذه السمة، إن انطبقت على أحكام الشرائع الوضعية التي جبلت بضعف البشر، وقصر النظر، وضيق المدارك، فإنها أبعد ما تكون عن شريعة الله التي أحكم نسجها،


١ انظر: إعلام الموقعين ١/٥٤.
٢ قال العسقلاني: إسناده صحيح. انظر التلخيص الحبير ٢/٤٠٦.
٣ إعلام الموقعين ١/٥٤.

<<  <   >  >>