للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ويتضح من هذه الرواية عدم دقة رواية الواقدي التي أومأنا إليها قبل قليل ـ كما رواها الطبري ـ والتي تفيد أن برجان أغاروا على مسلمة نفسه وهو في قلة من الناس، والأمر ليس كذلك لأن إغارتهم كانت على المسلمين الذين رغبوا في التسوق وكان الوالي عليهم رجلاً آخر من قِبَل مسلمة لا مسلمة نفسه.

ويستفاد من روايات شهود العيان هذه أنها حفظت لنا ألفاظ المخاطبات التي جرت بين اليون وملك برجان وبين هذا ومسلمة ١.

وتمضي الروايات في رصد ما جرى بين المسلمين والبرجان في ضوء تتابع الأحداث، مشيرة إلى الموقف الإسلامي الذي اتخذ بعد مصاب المسلمين؛ فقد وُجِّهَ جيش قوي كثيف إلى بلادهم عليه عبيدة بن قيس وابنه شراحيل بن عبيدة، ومضى هذا الجيش حتى دفع في أرض برجان، وكان العدو قد نذر بالمسلمين فلقوهم متأهبين، فكان بينهم قتال شديد، فأنزل الله تعالى نصره على المسلمين، فقتلوا من الكفار مقتلة عظيمة، وسبوا وأسروا وخلّصوا أسرى المسلمين، كما


١ ونصها أن اليون كتب إلى صاحب برجان، “أما بعد: فقد بلغك نزول العرب بنا، وحصارهم إيانا، وليسوا يريدوننا خاصة دون غيرنا من جماعة من يخالف دينهم، وإنما يقاتلون الأقرب فالأقرب، والأدنى فالأدنى، فما كنت صانعاً يوم تأتيهم الجزية، أو يدخلوا علينا عنوة، ثم يفضون إليك وإلى غيرك، فاصنعه يوم يأتيك كتابي هذا “. فكتب صاحب برجان إلى مسلمة: “أما بعد: فقد بلغنا نزولك بمدينة الروم، وبيننا وبينهم من العداوة ما قد علمتم، وكلما وصل إليهم فهو لنا سار، فمهما احتجت إليه من مدد أو عدة أو مرفق فأعلمناه، يأتيك منا ما أحببت”. فكتب إليه مسلمة: “أنه لاحاجة لنا بمدد ولا عدة، ولكنا نحتاج إلى الميرة والسوق، فابعث إلينا ما استطعت”. فكتب إليه صاحب برجان: “إني قد توجهت إليك سوقاً عظيماً فيه من كل ما أحببت من باعة، يضعفون عن النفوذ إليكم به ممن يمرون به من حصون الروم، فابعث من يجوزه إليك” تاريخ دمشق ٢٢/٤٢٢-٤٢٣

<<  <   >  >>