للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

إن الناظر فيما رواه ابن أعثم عن هذه الحملة التي أعدها عبد الملك بن مروان والمتتبع لسير حركتها ينتهي به النظر إلى أن هدفها كان القسطنطينية بالذات ١، لكن ذلك ليس ثابتاً ولا محرراً؛ فلم يرد في المصادر الأصلية التي اطلعت عليها والتي ينقل بعضها عن شهود عيان٢، ولا حتى في المراجع العربية الحديثة ٣ ما يدل على طَرْق الجيوش الإسلامية للقسطنطينية بعد وفاة معاوية رضي الله عنه حتى عهد سليمان بن عبد الملك، وأما ما قد يفهم من رواية ابن عساكر ٤ عن عبد الله ابن سعيد الهمداني من توجيه عبد الملك ابنه مسلمة في تلك الغزاة نحو القسطنطينية فيعكر عليها ما ورد في الرواية نفسها من قوله: “أردت أن أغزيكم غزاة كريمة شريفة إلى صاحب الروم اليون..” فلم يكن من أباطرة الروم المعاصرين لعبد الملك من يحمل هذا الاسم، مما يدل على أن هناك خلطاً في الرواية وتداخلاً،


١ حيث ذكر أن مسلمة استمر في غزواته تلك أربع عشرة سنة، ووصل خلالها إلى القسطنطينية، وحاصرها، وبنى بإزائها مدينة القهر، واستمر هناك قاهراً للروم إلى أن كتب إليه سليمان ابن عبد الملك معزياً في أبيه عبد الملك وأخيه الوليد، في روايات متداخلة مضطربة بعضها أقرب إلى الأساطير منها إلى الحقائق، انظر الفتوح ٧/١٩٤-١٩٧، و٧/٢٩٨-٣٠٦.
٢ كتاريخ خليفة بن خياط ص ٢٦٧-٢٩٣، وتاريخ الطبري ٦/١٩٤-٤١٨، وابن عساكر ٢٠/١٥٣، وابن الأثير ٤/٣٣-١٠٢،، وابن كثير ٩/٧-٦١.
٣ انظر مثلاً فتحي عثمان، الحدود الإسلامية البيزنطية ٢/ ٧٢-٧٨، وما بعدها، وعاشور، أوربا العصور الوسطى ١/١١٢-١١٣، والعدوي، الأمويون.. ص ١٥١ وما بعدها، والسيد عبد العزيز سالم وزميله العبادي، تاريخ البحرية الإسلامية في حوض البحر الأبيض المتوسط ١/٣١ وما بعدها.
٤ تاريخ دمشق ٩/١٦٨.

<<  <   >  >>