"رجل فكّير كثير الفكرة: قال بعض الأدباء: الفكر مقلوب عن الفرك لكن يستعمل الفكر في المعاني، وهو ترك الأمور وبحثها طلبا للوصول إلى حقيقتها".
وفي مادة (وجه) يقول الراغب: "وقال بعضهم: الجاه مقلوب عن الوجه".
وفي مادة فسر يقول الراغب:
"الفَسْر والسَفْر يتقارب معناهما كتقارب لفظيهما، لكن جعل الفسر لإظهار المعنى المعقول ومنه قيل لما ينبئ عن البول تفسره وسمي بها قارورة الماء، وجعل السفر لإبراز الأعيان للأبصار. فقيل سفرت المرأة عن وجهها وأسفر الصبح".
نلاحظ في هذا النص قوله عن (الفسر والسفر يتقارب معناهما لتقارب لفظيهما) وهو ما يريده الاشتقاقيون بالاشتقاق الكبير.
وننظر في مثال آخر وهو يعرض لأنواع الأكل، وقد عرضنا له من قبل أيضاً، يقول:"القرم أكل الصبي، والخضد للبقل، والخضم للرطب، والقضم لليابس، والقطم بأطراف الأسنان كالرمان، والكشم والكشذ لنحو القثاء، والمسغ والمسع كالبطيخ".
ألا نلاحظ علاقة لفظية ومعنوية بين الخضد والخضم، وبين الخضم والقضم والقطم، وبين الكشذ والكشم، وبين المسغ والمسع؟ إنني أحسب أن الراغب لم يرتب هذه الأزواج اللفظية وهذه المفردات المتقاربة الألفاظ والمباني عبثاً، وما أحسبه حينما قال (أحد الأدباء) ألا يعني في العلاقة بين فكر وفرك، إلا أحد اثنين هما ابن جني وأبي علي الفارسي.
ولا حاجة بنا إلى أن نمثل على أثر الاشتقاق في تنمية ألفاظ اللغة على مر العصور، وعلى أثر الراغب الأصفهاني في هذه التنمية.