للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسم غير الحد، ثم قطعوا أن الحد هو بعض الرسم، وهذا [تناقض] كما ترى. لكن الصواب أن نقول: إن كل مميز شيئاً عن شيء فهو إما أن يميزه بتمييز يؤخذ من فصول ومن أجناس، فيكون حداً منبئاً عن طبيعة الشيء، مميزاً له مما سواه أو يميزه بتمييز يؤخذ من أعراض وخواصه، فيكون مميزاً للشيء مما سواه فقط، غير منبئ عن طبيعته، فيكون التمييز رأساً جامعاً، ينقسم إلى نوعين: إما حد وإما رسم.

وهذا فإنما هو بيان لمعنى لفظة الحد ولفظة الرسم فقط، لا أن الحد يحتاج إلى حد، ولو كان ذلك لوجب وجود محدودات لا نهاية لها، وهذا محال ممتنع باطل.

وإنما يشغب علينا في هذا المكان أحد رجلين: إما مشغب لا يستحيي من إنكار ما يعلم [٩ و] صحته فيسعى في إبطال الحدود عن المحدودات، وإما ملحد ساع في إثبات أزلية العالم، وكل لا يعبأ به، لأنه دافع مشاهدة، ولله الحمد. وقد بينا أن الحد إنما هو صفات ما متيقنه في أشياء ومتيقن عدمها في أشياء أخر، فتصف كلاً بما فيه. فمن أنكر هذا فقد أنكر الحس والعيان وخرج من حد من يشتغل به.

فالحد هو نحو (١) قولنا في الإنسان: إنه الجسد القابل للون، ذو النفس الناطقة الحية الميتة. فإن الحي جنس للنفس، أي نفس كانت؛ وسائر ما ذكرنا فصول لها من سائر النفوس الحيوانية. فهذا هو الحد كما ترى. والرسم مثل قولك (٢) في الإنسان: إنه هو الضحاك أو الباكيز فهو كما ترى مميز للإنسان مما سواه، وليس منبئاً عن طبيعته التي هي قبول الحياة والموت. والحد مبين ذلك. وحكم الحد أن يكون مساوياً للمحدود. ومعنى ذلك أن يقتضي لفظه إذا ذكر، جميع المراد فلا يشذ عنه شيء مما أردت أن تحده، ولا يدخل فيه ما ليس منه. فإن زدت في الحد لفظاً، فإن كان الذي زدت لفظاً يقع على معاني أكثر من معاني المحدود أو مثلها، بقي المحدود بحسبه، كقولنا في حد نفس الإنسان: إنها حي ناطق ميت جوهر حساس ضحاك بكاء مشرق في جسد يقبل الألوان منتصب القامة ونحو هذا. فالمحدود حتى الآن صحيح


(١) نحو: سقطت من س.
(٢) س: قوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>