للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

يوسف ابن تاشفن قد أتمّ وحدة المغرب عام ٤٧٤ هـ تقريباً، ووفد صريخ أهل الأندلس على بلاط مراكش في العام نفسه، ووفد إليه جماعة، وشكوا إليه ما حلّ بهم من عدوان النصارى، وطلبوا إليه النّجدة، والعون، فوعدهم بتحقيق أمنيتهم ١، كما كانت سفارة أبي الوليد الباجي إليه قبل هذا التاريخ لأن الباجي توفي عام ٤٧٤ هـ كما ذكرنا. وكاتبه المتوكل على الله بن الأفطس حاكم بطليوس ٢ وأمام استمرار الصريح استعدّ بقواته ليجوز الأندلس، فافتتح سبتة عام ٤٧٧ هـ، وأخذ يعدّ العدّة وينشيء المراكب والسفن ليعبر فيها ٣. وينتظر الفرصة السّانحة.

وفي سبتة توالت الرسل إليه أكثر من ذي قبل، وازدادت أكثر بعد سقوط طليطلة، فكثرت رسل الأندلس، مجهشين بالبكاء، ناشدين الله والإسلام، مستنجدين بفقهاء حضرته ووزراء دولته، للحثّ على إنقاذهم مما هم فيه، وما يقتضيه واجبه الإسلامي نحو إخوانه. فكان يصغي لقولهم ويستمع إليهم، وترقّ نفسه لهم ٤.

ثم تحوّل الأمر بعد استئساد النّصارى على المسلمين وزلزلة طليطلة، فأصبحت الدّعوة للعبور رسميّة، فاتّفقت الأندلس كلّها على ذلك أمراؤها وفقهاؤها وعامّتها ٥. وكان ملوك الطوائف يكرهون إلمام يوسف بجزيرتهم ٦ولكنّهم أمام ضغط النّصارى وتنكّر الفونسو لهم، وخضوعاً للرّأي العامّ الإسلاميّ، استغاثوا بأمير المسلمين، فَعُقِد اجتماع في قرطبة حضره الزعماء والفقهاء وكثير من اَلنّاس، وعلى رأسهم المعتمد بن عباد، اتّخذ فيه قرار الموافقة على استدعاء المرابطين للنّصرة، ثم دعا المعتمد غيره من ملوك الطوائف إلى هذا الأمر، واجتمعوا بالفعل لاتّخاذ ترتيبات عبور وفد إلى العدوة ودعوة الأمير يوسف، وكتبت رسالة بهذا الشأن وقّعها أمراء الأندلس، وأُرسلت من الأندلس مع سفارة خاصّة وتحت إشراف ابن عبّاد، وحملت السفارة التّحف الثّمينة والوعود المغرية للاستغاثة ٧ مع الرّسالة. وقد ضمّ الوفد: عبيد الله بن أدهم قاضي قرطبة، وكان أعقل أهل زمانه، ووزير المعتمد أبا بكر بن زيدون، وقاضي المتوكل على الله عمر بن الأفطس أمير بطليوس، وقاضي عبد الله


١ انظر: عنان- دول الطوائف ص ٣١٢- ٣١٥.
٢ الحجي ص ٣٩٧/ عنان ص ٩٢.
٣ نفح الطيب جـ٤ ص٣٥٤ عن الروض المعطار.
٤ نفسه جـ٤ ص ٣٥٩- ٠ ٣٦.
٥ دول الطوائف ص ٣١٧.
٦ نفح الطيب جـ٤ ص ٣٥٤.
٧ التواتي- مأساة انهيار الوجود العربي بالأندلس ص ٢٨٧.

<<  <   >  >>