للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

انتفى أصل الصفة، استحال ثبوت حكمها، وأيضاً فلو لم تكن أسماؤه ذوات معان وأوصاف لكانت كلها سواء ولم يكن فرق بين مدلولاتها: وهذه مكابرة صريحة، وبهت بيّن. فإن من جعل معنى اسم (القدير) هو معنى اسم (السميع البصير) ، ومعنى اسم (التواب) هو معنى اسم (المنتقم) ، ومعنى اسم (المعطي) هو معنى اسم (المانع) ، فقد كابر العقل واللغة والفطرة.

فنفي أسمائه من أعظم الإلحاد فيها: والإلحاد فيها أنواع، هذا أحدها، والثاني تسمية الأوثان بها، كما يسمونها آلهة إلى أن قال رحمه الله: وحقيقة الإلحاد فيها العدول بها عن الصواب فيها، وإدخال ما ليس من معانيها فيها وإخراج حقائق معانيها عنها. هذه حقيقة الإلحاد١ اهـ.

وقال في موضع آخر من كتابه (مدارج السالكين) :

"إن الاسم من أسمائه تبارك وتعالى، كما يدل على الذات والصفة التي اشتق منها بالمطابقة٢، فإنه يدل دلالتين أخريين بالتضمن واللزوم. فيدل على الصفة بمفردها بالتضمن، وكذلك على الذات المجردة عن الصفة، ويدل على الصفة الأخرى باللزوم. فإن اسم (السميع) يدل على ذات الرب وسمعه بالمطابقة، وعلى الذات وحدها، وعلى السمع وحده بالتضمن، ويدل على اسم (الحي) وصفة الحياة بالالتزام وكذلك سائر أسمائه وصفاته٣ اهـ.


١ مدارج السالكين ١/٢٨-٣٠.
٢ مدارج السالكين ١/٢٢.
٣ أنواع الدلالة اللفظية الوضعية:
تنقسم الدلالة إلى ثلاثة أقسام:
١- الدلالة المطابقية.
٢- الدلالة التضمنية.
٣- الدلالة الالتزامية.
فالدلالة المطابقية: هي دلالة اللفظ على تمام ما وضع له من حيث أنه وضع له، وذلك مثل لفظ (البيت) على الجدار والسقف معاً، ودلالة لفظ (إنسان) على الحيوان الناطق، ودلالة اسم الله (العليم) مثلاً على ذات الله وعلمه أي دلالة الاسم على المسمى والصفة المشتقة من الاسم نفسه.
وسميت مطابقية لتطابق اللفظ والمعنى، وتوافقهما في الدلالة.
أما الدلالة التضمنية: فهي دلالة اللفظ على جزء ما وضع له في ضمن كل المعنى، مثل دلالة لفظ البيت على الجدار وحده، وعلى السقف وحده، وسميت وضعية لأنها عبارة عن فهم جزء من الكل، فالجزء داخل ضمن الكل أي في داخله، ومن هذا النوع مثلاً دلالة اسم الله (السميع) على ذات الله وحدها، وعلى صفة السمع وحدها، بصرف النظر عن استعمال (الجزء والكل) بل يقال على الصفة والموصوف.
وأما الدلالة الالتزامية: فهي دلالة اللفظ على خارج عن معناه الذي وضع له، مثل دلالة لفظ (الأربعة) على الزوجية، ودلالة لفظ (إنسان) على قبول التعليم مثلاً وعلى التعجب والحركة والسكون، ودلالة اسم الله (القدير) على صفة (الحياة) وعلى العلم وغيرهما من صفات الله تعالى.
يقول المناطقة: يشترط لهذه الدلالة اللزوم الذهني البين مثل لزوم الحياة من العلم والحلم والقدرة مثلاً إذ الميت لا يوصف بهذه الصفات، ويعللون ذلك، لأنها تدل على الخارج عن المعنى الذي وضع اللفظ له، والخارج عن المعنى غير محدود، فلا بد من اللزوم الذهني البين، وقد مثلنا لذلك آنفاً.
ويقول المناطقة: إن بين الدلالة المطابقية والدلالة التضمنية العموم والخصوص المطلق، فإذا وجدت التضمنية وجدت المطابقية دون العكس، أي لا يلزم من وجود المطابقية وجود التضمنية.
استقينا هذه المعلومات (بالمعنى) عن كتاب: المرشد السليم إلى المنطق الحديث والقديم. الطبعة الرابعة، دار الطباعة المحمدية بالقاهرة. د. عوض الله جاد حجازي.

<<  <   >  >>