فإذا كان من تقع عليه الشَّريطة معدوماً - سيما من يوثق بحلمه وعقله، وأمانته ونصحه، ومن لا ضرر عليه ولا نفع له في السر الذي يضمر ولا يحرَّم عليه كتمانه، ومن قد وأى على نفسه بالسِّرِّ والحفظ؛ فإنه ليس كلُّ من ضمِّن فلم يضمن ضامناً، ولا من استودع فلم يقبل مستحفظاً، ولا من استخلف فلم يخلف خائناً، وإنما يلحقه الحمد والذم؛ والأجر والإثم إذا ضمن الأمانة ثم خترها - فكأن القوم قالوا: لا تودعن سرك أحداً. وإلا فمتى تجد رجلاً فيه الصفة التي وصف بها مسكينٌ الدارمى نفسه حيث يقول:
إني امرؤ منِّي الحياء الذي ترى ... أنوء بأخلاقٍ قليل خداعها
أواخى رجالاً لست أُطلِع بعضهم ... على سرِّ بعضٍ غير أنِّي جماعها
يظلون شتى في البلاد وسرهم ... إلى صخرةٍ أعيا الرجال انصداعها
وقيل لرجلٍ: كيف كتمانك للسر؟ قال: أجعل قلبي له قبراً أدفنه فيه إلى يوم النشور.