ومر هشام بن عبد الملك ببعض أهل الكُلفة والفضول، وعليه حُلَّة ذيالة يسحبها في التُّراب، فقال له المتكلف: يا هذا، إنك قد أفسدت ثوبك. قال: وما يضرُّك من ذلك؟ قال: ليتك ألقيته في النار. قال: وما ينفعك من ذلك؟ فأفحمه غاية الإفحام.
ولو تهيأ للمتكلِّفين في كل وقتٍ مثل صرامة هشام لازدجر من به حياءٌ منهم، ولقلت الفضول والكُلف والغيبة.
قالوا: وليس من أحد أذلَّ من مغتاب؛ لأنه يخفي شخصه، ويطامن حسَّه، ويغّض من صوته؛ ولا يزيد بما يناله من ذلك إلا بأن يرفع من قدر خصمه ويعظم من شأنه.
قال معاوية: أتدرى من النبيل؟ هو الذي إذا رأيته هبته، وإذا غاب عنك اغتبته.
وهي لعمري سبيل العظماء عند العوام، والملوك عند الرعية، والسادة عند العبيد.
فلم يأخذ المغتاب ممن اغتابه شيئاً بعضيهته إياه إلا والذي أعطى من الهيبة عند حضوره أكثر منه.
ولو كان المغتاب لا يستتر من الغيبة إلا ممن يخاف سطوته، كان أعذر. ولكن اللؤم المتمكن منه يحمله على اغتياب عبده وأمته، فضلاً عن كفئه ونظيره.