واحداً ممن يصبر أو يجزع، فلعلي كنت أعيش بالرفق، وأتبلغ بحشاشة النفس، وأعلل نفسي بالطمع الكاذب. ولكن فجاءات الحوادث وبغتات البلاء لا يقوم لها الحجر القاسي، ولا الجبل الراسي. فلم تدع غايةً في صرف ما بين طبقات التعذيب إلا أتيت عليها، ولا فضول ما بين قواصم الظهر إلا بلغتها. فقد متُّ الآن فمع من تعيش؟ بل قد قتلتني فمن الآن تعاشر!، كما قال ديوست المغنِّي لكسرى حين أمر بقتله لقتله تلميذه بلهبذ: قتلت أنا بلهبذ، وتقتلني، فمن يطربك؟ قال: خلُّوا سبيله؛ فإن الذي بقي من عمره هو الذي أنطقه بهذه الحجة.
ولكني أقول: قد قتلتني فمع من تعيش؟ أمع الشطر نجيِّين؟! فقد قال جالينوس: إياك والاستمتاع بشيء لا يعمُّ نفعه.
إن الكلام إنما صار أفضل من الصمت؛ لأن نفع الصمت لا يكاد يعدو الصَّامت، ونفع الكلام يعمُّ القائل والسامع، والغائب والشاهد، والراهن والغابر.
وقالوا: ومما يدل من فضل الكلام على الصمت، أنك بالكلام تخبر عن الصمت وفضله، ولا تخبر بالصمت عن فضل الكلام. ولو كان