للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

من يده، فما ظنك به وهو أسيرٌ في مُلكه، وصريع تحت كلكله، وقد غطَّه في بحره، وغمره بفضل قوته.

وقد زعموا أن الحسن حضر أميراً قد أفرط في عقوبة بعض المذْنبين، فكلَّمه فلم يحفل بكلامه، وخوّفه فلم يتّعظ بزجره، فقال: إنك إنما تضرب نفسك، فإن شءت الآن فأقلَّ، وإن شئت فأكثر.

ومعاذ الله أن أقول لك كما قال الحسن لذلك الظالم المعتدي، والمصمِّم القاسي، ولكني أقول: اعلم أنك تضرب من قد جعلك من قتله في حِلٍّ. وإن كان القتل يحلّ بإحلال المقتول، ويسقط عنه عقابه بهبة المظلوم؛ ولو أمكن في الدين تواهب قصاص الآخرة في الدُّنيا؛ وإن كان ذلك مما تجود به النفس يوم الحاجة إلى الثواب وإلى رفع العقاب، وكان الوفاء مضموناً لكنت أول من أسمحتْ بذلك نفسه، وانشرح به صدره.

جُعلت فداك، إنِّي قد أحصيت جميع أسباب التعادي، وحصَّلت جميع علل التضاغن، إلا علَّة عداوة الشيطان للإنسان؛ فإني لا أعرف إلا مجازّها في الجملة ولا أحقُّ خاصتها على التحصيل. وعلى حالٍ فقد عرفتها من طريق الجملة وإن جهلتها من طريق التفصيل. فأما هذا التجنِّي فلم أعرفه في خاصٍّ ولا عامّ.

فمن أسباب العداوات تنافس الجيران والقرابات، وتحاسد الأشكال في الصناعات. ومن أمتن أسبابهم إلى الشر وأسرعها إلى المروءة والعقل،

<<  <  ج: ص:  >  >>