ويسعد بك أبعد البعداء ويشقى بك أقرب القرباء. وتتغافل عن مثل الجبال التماساً وحبَّاً للسلامة، وتغلغل إلى المحَّرات طلباً للتعرض وحبَّاً للشر.
ومتى قدرت على عدوّك فلم تجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه، ومتى لم تتغافل عنه تكرُّماً أو تدعه احتقاراً، ومتى اكترثت لكبير وضاق صدرك عن شيء عظيم فهأنذا بين يديك، فكُلْني بخلّ وخردل؛ فوالله إنك لتأكله غثَّاً غير مريء، وخبيثاً غير شهي.
لا والله، لكأنك وقعت على مطمورة، وظفرت برأس خاقان. كنت أظن أن الرشاقة والحلم لا يجتمعان، وأن ظرْف الإنسان وأصالة الرأي لا يفترقان، وأن النَّزق والخفة مقرونان بخفّة البدن، وأن الرَّكانة والأناة مجموعان لصاحب السِّمن، حتى رأيتك فاعتقدت بك خلاف ذلك الرأي، واستبدلت فيك ضدَّ ذلك الظَّنّ. فتركتني حتى إذا نازعت الرجال، وتعرّضت للشَّجي، وشغلت نفسي بثلب الخصام، وانقطعت إلى أصحاب القدود، وجعلت عُدوائي في تقديم القضاف، وطال لساني، وأظهرت الاستبصار في فضلك، وجعلت مزاج أخلاطك هو الحجة، واعتدالك هو النهاية، وطبيعتك