لاستواء الخواطر، ولاتّفاقها على الإرادة. فأنت وصديقك الموافق، وخليلك ذو الشكل المطابق، مستويان في المحابّ، متفقان في الهوى، متشاكلان في الشَّهوة؛ وتعاونكما كتعاون جوارح أحدكما، وتسالمكما كتسالم المتَّفق من طبائعكما. فإذا بان منك صديقك فقد بان منك شطرك، وإذا اعتل خليلك فقد اعتلَّ نصفك، بل النفوس المضمّنة كالمعاني المضمَّنة، فذهاب بعضها هو ذهاب جميعها. فموتي هو موت صديقي، وحياتي هي حياة صديقي. فلا تبعدنَّه من قلبك بعد بدنه من بدنك؛ فقد يقرُب البغيض وينأى الحبيب. ولعلَّ بعض طبائعك المخالط لروحك، أن يكون أعدى من كل عدو، وأقطع من كل سيف، وأخوف عليك من الأسد الضاري، ومن المّ الساري.
ثم اعلم أنَّ الموثق بمودته قليل، وقد صار اليوم المعتمد عليه في صحَّة العقدة، وفي كرم الغيب والعشرة، عنقاء مُغْرِبٍ. ولا أعلم الكبريت الأحمر إلا أوجد منه. وإني لأظنُّ القناعة أكثر منه. وما أكثر من جعل انقطاع سببه وضعف طمعه لانقطاع سببه قناعةً.
وقيل ليحيى بن خالد: أي شيء أقل؟ قال: قناعة ذي الهمّة البعيدة بالعيش الدُّون، وصديقٌ قليل الآفات كثير الإمتناع، شكور النفس، يصيب مواضع المدح.