لطالت بنا الأيام وتراخت الليالي إلى بلوغ الغاية في تمام الكتاب. وإنما ذكرنا من كل باب عرض فيه ما دلّ على معناه الذي إليه قُصد.
ولم نر الحسد أمر به أحدٌ من العرب والعجم في حالٍ من الأحوال، ولا ندب إليه ونبَّه عليه. وقد نُبِّه على العداوة وفُصِّل بين أحوالها بما قد بيَّنَّاه، فظهر فضلها على الحسد بذلك.
وكنت امرأً قليل الحساد حتى اعتصمتُ بعروتك، واستمسكت بحبلك واستذريت في ظلّك، فتراكم على الحساد وازدحموا، ورموني بسهامهم من كل أوبٍ وأفق، وتتايعوا عليَّ تتايع الدَّثْر على مشتار العسل. ولئن كثروا لقد كثر بهبوب ريحك إخواني، وبنضرة أيامك وزهرة دولتك خُلاَّني. وأنا كما قلت:
فلما بلغت هذا الفصل من تأليف هذا الكتاب دخل عليَّ عشرة نفرٍ من الكتاب قد شملهم معروفك، ورفع مراتبهم جميلُ نظرك، فهم من طاعتك والمحبّة لك على حسب ما أوليتهم من إحسانك وجزيل فوائدك، فأفاضوا في حديثٍ من أحاديث الحسد، فشعَّب لهم ذلك الحديث شعوباً