ومولاه يزيد بن أبي مُسْلم، فأعادوا على البيت بالهدْم، وعلى حرم المدينة بالغزْو، فهدموا الكعبة، واستباحوا الحُرْمة، وحوَّلوا قبلة واسط، وأخرّوا صلاة الجمعة إلى مُغيربان الشَّمس. فإن قال رجلٌ لأحدٍ منهم: اتّق الله فقد أخَّرت الصلاة عن وقتها، قتله على هذا القول جهاراً غير ختْل، وعلانيةً غير سرّ. ولا يُعلم القتل على ذلك إلاّ أقبح من إنكاره، فكيف يكفر العبد بشيءٍ ولا يكفر بأعظم منه؟ وقد كان بعض الصَّالحين ربَّما وعظ بعض الجبابرة، وخوَّفه العواقب، وأراه أنَّ في الناس بقيّةً ينهون عن الفساد في الأرض، حتَّى قام عبد الملك بن مرْوان والحجاج بن يوسف، فزجرا عن ذلك وعاقبا عليه، وقتلا فيه، فصاروا لا يتناهون عن منكرٍ فعلوه.
فاحسبْ أنَّ تحويل القبلة كان غلطاً، وهدم البيت كان تأويلا، واحسب ما رووا من كلِّ وجه أنَّهم كانوا يزعمون أنَّ خليفة المرء في أهله أرفع عنده