وعهد أميرٌ إلى حاجبه فقال: إنَّ أداء الأمانة في الأعراض أوجب منها في الأموال؛ وذلك أنَّ الأموال وقايةٌ للأعراض، وليست الأعراض بوقاية للأموال. وقد ائتمنتك على أعراض الغاشين لبابي، وإنما أعراضهم أقدارهم، فصُنْها لهم، ووفِّرها عليهم. وصُنْ بذلك عرضي، فلعمري إنَّ صيانتك أعراضهم صيانةٌ لعرضي، ووقايتك أقدارهم وقايةٌ لقدري؛ إذ كنت الحظيَّ بزين إنصافهم إن أُنصفوا، والمبتلى بشين ظلمهم إن ظُلموا في غشيانهم بابي، وحضورهم فنائي.
أوف كلّ امرئٍ قدره، ولا تُجاوزْ به حدَّه، وتوقَّ الجور في ذلك التوقّيَ كلَّه. أقبلْ على من تحجب بإبداء البشر وحلاوة العُذر، وطلاقة الوجه ولين القول، وإظهار الودّ، حتّى يكون رضاه عنك لما يرى من بشاشتك به وطلاقتك له، كرضا من تأذن له عنك لما يُمنحه من التكريم، ويحويه من التعظيم؛ فإنّ المنع عند الممنوع في لين المقالة يكاد يكون كالنَّيل عند العظماء في نفع المنالة.
أنْهِ إليَّ حالات كلِّ من يغشى بابي من وجيهٍ وخامل، وذي هيئة وأخي رثاثة، فيما يحضُرون له بابي، ويتعلّقون به من إتياني.
لا تحتقرنَّ من تقتحمه العيون لرثاثة ثوبٍ أو لدمامة وجه، احتقاراً يخفي عليّ أثره، فربَّما بذَّ مثله بمخبره من يروق العيون منظره.