ولم نعلم للغيرة في غير الحرام وجهاً، ولولا وقوع التحريم لزالت الغيرة ولزمنا قياس من أحقُّ بالنساء؛ فإنَّه كان يقال: ليس أحدٌ أولى بهنَّ من أحد، وإنَّما هنَّ بمنزلة المشامّ والتُّفَّاح الذي يتهاداه الناس بينهم. ولذلك اقتصر من له العدَّة على الواحدة منهنَّ، وفرَّق الباقي منهنَّ على المقرّبين. غير أنّه لما عزم الفريضة بالفرق بين الحلال والحرام، اقتصر المؤمنون على الحدِّ المضروب لهم، ورخّصوه فيما تجاوزه. فلم يكن بين رجال العرب ونسائها حجابٌ، ولا كانوا يرضون مع سقوط الحجاب بنظرة الفَلْتة ولا لحظة الخُلْسة، دون أن يجتمعوا على الحديث والمسامرة، ويزدوجوا في المناسمة والمثافنة، ويسمَّى المولع بذلك من الرجال الزِّير، المشتَّق من الزيارة. وكلّ ذلك بأعين الأولياء وحضور الأزواج، لا ينكرون ما ليس بمنكر إذا أمنوا المنكر، حتّى لقد حسك في صدر أخي بُثينة من جميل ما حسك من استعظام المؤانسة، وخروج العذر عن المخالطة، وشكا ذلك إلى زوجها وهزَّه ما حشّمه، فكمنا لجميلٍ عند إتيانه بثينة ليقتلاه، فلما دنا لحديثه وحديثها سمعاه يقول ممتحناً لها: هل لك فيما يكون بين الرِّجال