ولا يقف على ذلك أيضاً إلاّ الثاقب في نظره، الماهر في بصره، الطَّبُّ بصناعته؛ فإنّ أمر الحسن أدقُّ وأرقُّ من أن يدركه كلُّ من أبصره.
وكذلك الأمور الوهميّة، لا يُقضى عليها بشهادة إبصار الأعين، ولو قُضي عليها بها كان كلُّ من رآها يقضى، حتّى النَّعم والحمير، يحكم فيها لكلِّ بصير العين يكون فيها شاهداً وبصيراً للقلب، ومؤدياً إلى العقل، ثم يقع الحكم من العقل عليها.
وأنا مبين لك الحسن. هو التمام والاعتدال. ولست أعني بالتمام تجاوز مقدار الاعتدال كالزيادة في طول القامة، وكدقة الجسم، أو عظم الجارحة من الجوارح، أو سعة العين أو الفم، مما يتجاوز مثله من الناس المعتدلين في الخَلق؛ فإن هذه الزيادة متى كانت فهي نقصان من الحسن، وإنْ عدت زيادة في الجسم.
والحدود حاصرةٌ لأمور العالم، ومحيطة بمقاديرها الموقوتة لها، فكلُّ شيءٍ خرج عن الحدِّ في خُلُق، حتّى في الدين والحكمة الذين هما أفضل الأمور، فهو قبيحٌ مذموم.
وأما الاعتدال فهو وزن الشيء لا الكمية، والكون كون الأرض لا استواؤها.
ووزن النفوس في أشباه أقسامها. فوزن خلقة الإنسان اعتدال محاسنه وألاّ يفوت شيء منها شيئاً، كالعين الواسعة لصاحب الأنف الصغير