فإنْ حذر العيونْ وتفقَّده المسلمون، رجع بذكر السُّنن إلى المعقول، ومحكم القرآن إلى المنسوخ، ونفي ما لا يدرك بالعيان، وشبَّه بالشاهد الغائب. لا يرتضى من الكتب إلاَّ المنطق، ولا يحمد إلاَّ الواقف، ولا يستجيد منها إلاّ السَّائر.
هذا هو المشهور من أفعالهم، والموصوف من أخلاقهم.
ومن الدليل على ذلك، أنّه لم يُر كاتبٌ قطُّ جعل القرآن سميره، ولا علمه تفسيره، ولا التفقُّه في الدِّين شعاره، ولا الحفظ للسُّنن والآثار عماده، فإن وُجد الواحد منهم ذاكراً شيئاً من ذلك لم يكن لدوران فكَّيه به طلاقة، ولا لمجيئه منه حلاوة. وإن آثر الفرد منهم السَّعْي في طلب الحديث، والتشاغل بذكر كتب المتفقِّهين، استثقله أقرانه، واستوخمه أُلاَّفه، وقضوا عليه بالإدبار في معيشته، والحرفة في صناعته، حين حاول ما ليس من طبعه، ورام ما ليس من شكله.
قال الزُّهريّ لرجل: أيُعجبك الحديث؟ قال: نعم. قال: أما إنّه لا يعجب إلاَّ الفحول من الرِّجال، ولا يبغضه إلاَّ إناثهم!.
ولئن وافق هذا القول من الزُّهري فيهم مذهباً، إنَّ ذلك لَبَيِّنٌ في شمائلهم، مفهوم في إشاراتهم.