وعلى ذلك فإنه لم يبلغني أنه كان في ولاة ديوان الجند ولا في كتابهم مثل المعلّى بن أيوب في نبله وارتفاع همته، وكرم صحبته، وعفافه، وجميل مذهبه، وشدة محاماته عمن صحبه وتحرَّم به. فكان المأمون يعرف له ذلك ومن بعده من الخلفاء، فثبتت وطأته، ودامت ولايته، وحمد أثره.
قد أتينا على بعض ما أردنا فيما له قصدنا، ولم نستعمل الانتزاعات فيما ذكرنا، وأعرضنا عن التأويلات فيما وصفنا، وقصدنا إلى المأثور فحكيناه، وإلى المذكور في الأزمنة فأجريناه، لئلا يجد الطاعن فيما وصفنا مقالا، والمنكر لذمّ ما ذممنا مساغا، وعلمنا أن من عاند مع ذلك فقد دفع عيانا وأنكر كائنا مذكوراً. وفي ذلك دليلٌ باهر على اضمحلاله، وشاهدٌ عدلٌ لأضداده.
ولو حكينا كلّ ما في هذا الجنس من الأقوال، وما يدخله من المقايسات والأشكال، لطال الكتاب، ولمله الناظر المعجاب، فاكتفينا بالجزء من الكتاب، والبعض دون التمام، وعلمنا أنَّ الناظر فيه إن كان فطناً أقنعه القليل فقضى، وإن كان بليداً جهولا لم يزده الإكثار إلا عيّاً، ومن العلم بما له قصدنا إلا بعدا. وبالله الكفاية والتوفيق.
تمَّ كتاب " ذم أخلاق الكتاب " بعون الله ومنِّه ومشيئته وتوفيقه، والله تعالى الموفق للصواب. والحمد لله أولا وآخراً، وصلواته على سيدنا محمد نبيه وأصحابه الطيبين الطاهرين وسلامه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.