أما بعد فإن جماعات أهل الحكمة قالوا: واجبٌ على كل حكيمٍ أن يحسن الارتياد لموضع البغية، وأن يبين أسباب الأمور ويمهد لعواقبها. فإنما حمدت العلماء بحسن التثبت في أوائل الأمور، واستشفافهم بعقولهم ماتجيء به العواقب، فيعلمون عند استقبالها ما تؤول به الحالات في استدبارها. وبقدر تفاوتهم في ذلك تستبين فضائلهم. فأما معرفة الأمور عند تكشفها وما يظهر من خفياتها فذاك أمرٌ يعتدل فيه الفاضل والمفضول، والعالمون والجاهلون.
وإني عرفتك - أكرمك الله - في أيام الحداثة، وحيث سلطان اللهو المخلق للأعراض أغلب على نظرائك، وسكر الشباب والجدة المتحيِّفين للدين والمروءة مستولٍ على لداتك فاختبرت أنت وهم ففقتهم ببسطة المقدرة وحميَّا الحداثة، وطول الجدة، مع ما تقدمتهم فيه من الوسامة في الصورة والجمال في الهيئة. وهذه كلها أسباب تكاد أن توجب