قنطار لكانا شاهدي زور كذابين آفكين وما علمنا في طبيعة بشر أحدا يفهم من قول القائل أخذ لي عمرو قنطارا أنه آخذ له أكثر من قنطار ومدعي هذا مفتر على اللغة ومكابر للحس داخل في نصاب الموسوسين مبطل للحقائق ويقال له لعله تعالى إذا ذكر سبع سموات إنما أراد بها خمس عشرة أو أكثر من ذلك وهذا هو بطلان الحقائق وفساد العقل على الحقيقة وأما الآية التي فيها ذكر الدينار والقنطار في ائتمان أهل الكتاب فقد أخبرنا تعالى أنهم يقولون أو من قال منهم {ومن أهل لكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قآئما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في لأميين سبيل ويقولون على الله لكذب وهم يعلمون} ففي هذا استجازة أهل الكتاب لخون أماناتنا قلت أو كثرت وقد علمنا بضرورة العقل والمشاهدة وعلم الناس قبل نزول هذه الآية المذكورة أن في أهل الكتاب وفي المسلمين أوفياء يفون بالقليل والكثير وغدرة يغدرون بالقليل والكثير لأن هذا من صفات الناس وإن في الناس من يفي بالقليل تصنعا ويخون الكثير رغبة وأن فيهم من يغدر بالقليل خسة نفس واستهانة ويفي بالكثير مخافة الشهرة أو انقطاع رزقه إن كان لا يعيش في مكسبة إلا بائتمان الناس إياه وهذا كله موجود مشاهد معلوم بالحس فإن قالوا فما فائدة الآية إذن قيل لهم وبالله تعالى التوفيق الفائدة فيها عظيمة فأول ذلك الأجر العظيم في تلاوتها في التصديق أنها من عند الله عز وجل وأيضا فالتنبيه لنا على التفكر في عظيم القدرة في ترتيبه لنا طبائع الناس فمنهم الوفي الكافر والخائن الكافر وأيضا فائتمانهم على المال فإن ذلك مباح لنا إذا قدرنا فيهم الأمانة وإبطال قول من منع من الوصية إليهم بالمال وهذا مثل قوله تعالى {أفلا ينظرون
إلى لإبل كيف خلقت} ومثل قوله تعالى {ونزلنا من لسمآء مآء مباركا فأنبتنا به جنات وحب لحصيد} وقد علمنا ذلك قبل نزول القرآن ولكنه تنبيه ووعظ وتحريك إلى اكتساب الأجر بالاعتبار والفكرة في قدرة الله عز وجل وذكره تعالى