سَرائرِهِم، ما يشغلُهم عن كثرةِ التلاقِي.
واعلمْ أن سماعَ الأغانِي يضادُ سماعَ القرآنِ، مِنْ كلِّ وجهٍ.
فإنّ القرآنَ كلامُ اللَّهِ، ووحيُهُ ونوُرهُ، الذي أحيا اللَّهُ به القُلوبَ الميتةَ، وأخرجَ العبادَ به من الظلماتِ إلى النّورِ.
والأغاني وآلاتُها مزاميرُ الشيطانِ.
فإنَّ الشيطانَ قرآنهُ الشعرُ، ومؤذِّنُه المزمارُ، ومصائِدُه النّساءُ.
كذا قالَ قتادةُ وغيرُه من السَّلفِ.
وقد رُوي ذلك مرفوعًا، من روايةِ عبيدِ اللَّه بن زحْر، عن عليِّ بنِ يزيدَ عن القاسم، عن أبي أمامةَ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وقدْ سبقَ ذكرُ هذا الإسنادِ.
والقرآنُ تُذكر فيه أسماءُ اللَهِ، وصفاتُهُ وأفعالُهُ، وقدرتُهُ وعظمتُة، وكبرياؤه
وجلالُه، ووعدُه ووعيدُه.
والأغاني إنما يُذكرُ فيها: صفاتُ الخمرِ والصورُ المحرّمُة، الجميلةُ ظاهرُها
المستقذرُ باطنُها التي كانتْ تُرابًا، وتعُود ترابًا.
فمن نزّل صفاتِها على صفاتِ من ليس كمثلِهِ شيءٌ وهوَ السَّميعُ البصيرُ، فقد شبَّه، ومرقَ من الإسلامِ، كما - يمرُقُ السهمُ من الرميةِ.
وقد رُئيَ بعضُ مشايخ القومِ في النَّومِ بعدَ موتِهِ.
فسُئِلَ عن حالِهِ فقالَ: أوقفني بينَ يديه، ووبَّخني، وقالَ: كنتَ تسمعُ
وتقِيسُني بسُعْدى ولُبنَى.
وقد ذكرَ هذا المنامَ أبو طالبٍ المكيُّ، في كتابِ "قوتِ القلوبِ ".
وإن ذُكر في شيءٍ من الأغانِي التوحيدُ، فغالِبُه من يسوقُ ظاهرُه إلى
الإلحادِ: من الحلولِ والاتحادِ، وإن ذُكِرَ شيءٌ من الإيمانِ والمحبةِ، أو توابع