للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مغفرة، لكنْ هَذا مع مشيئةِ اللَّهِ - عزَّ وجلَّ -، فإن شاء غفرَ له، وإن شاءَ

أخذه بذنوبِهِ، ثم كان عاقبتُهُ ألاَّ يُخلَّدَ في النار، بل يخرج منها، ثم يدخلُ

الجنَةَ.

قال بعضُهم: الموحِّد لا يُلقى في النارِ كما يُلقى الكفارُ، ولا يَلقى فيها ما

يَلقى الكفارُ، ولا يبقى فيها كما يبقى الكفارُ، فإنْ كَمُلَ توحيدُ العبدِ

وإخلاصُه للَّهِ فيه، وقامَ بشروطِهِ كلها بقلبِهِ ولسانِهِ وجوارحِهِ، أو بقلبِهِ

ولسانِهِ عندَ الموتِ، أوجبَ ذلك مغفرةَ ما سلفَ من الذنوبِ كلِّها، ومنعَهُ من دخولِ النَّارِ بالكليةِ.

فمن تحقَّق بكلمةِ التوحيدِ قَلبُه أخرجَتْ منه كلَّ ما سوى الله محبةً

وتعظيمًا وإجلالا ومهابةً، وخشيةً، ورجاءً وتوكُّلاً، وحينئذٍ تحرَقُ ذنوبه

وخطاياهُ كلُّها ولو كانتْ مثلَ زبدَ البحرِ، وربما قلبتَها حسناتٍ، كما سبق

ذكره في تبديلِ السيئاتِ حسناتٍ، فإنَّ هذا التوحيدَ هو الإكسيرُ الأعظمُ، فلو وُضع ذرَّة منها على جبالِ الذنوبِ والخطايا، لقلبها حسناتٍ، كما في "السندِ" وغيره، عن أم هانِئ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: "لا إله إلا اللَّهُ لا تترُكُ ذنبا ولا يسبِقها عمل ".

وفي "المسندِ" عن شدَّادِ بنِ أوسٍ، وعبادة بن الصامت أن النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قال لأصحابِهِ:

"ارفعُوا أيديَكم، وقولُوا: لا إلهَ إلا اللًّهُ "، فرفعنا أيدينا ساعةً، ثم

وضعَ رسولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يدَهُ، ثم قالَ: "الحمدُ اللَّهِ، اللهُمَّ بعثتني بهذهِ الكلمةِ، وأمرتنِي بهَا، ووعدتنِي الجنةَ عليْهَا، وإنَّك لا تُخلِفُ الميعادَ"، ثم قالَ: " أبشِرُوا، فإن اللهَ قد غفرَ لكُم".

<<  <  ج: ص:  >  >>