قال: (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (٢٠) .
وقال تعالى (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (٣٦) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (٣٧) .
وقال تعالى: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا) .
وقال: (كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨) .
وتزيينُ أعمالِهم يكونُ بواسطةِ الملائكةِ والأنبياءِ والمؤمنينَ للخيرِ.
وتزيينُ شياطينِ الإنسِ والجن للشر، وقال تعالى:
(وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ) .
ومثلُ هذا كثيرٌ فالفاعلُ للذنبِ لو جزمَ بأنه يحصلُ له به الضررُ الراجحُ لم
يفعلْه، لكنه يزينُ له ما فيه من اللذةِ التي يظنُّ أنها مصلحة، ولا يجزمُ بوقوع
عقوبتِهِ، بل يرجو العفوَ بحسناتٍ أو توبةٍ أو بعفوِ اللهِ ونحوِ ذلك، وهذا كله
من اتباع الظن وما تهوى الأنفسُ، ولو كان له علم كامل لعرفَ به رجحانَ
ضررِ السيئة، فأوجبَ له ذلك الخشيةَ المانعةَ له من مواقعتِها، ونبينُ هذا
بـ: الوجه السادس: وهو أن لَذَّاتِ الذنوبِ لا نسبةَ لها إلى ما فيها من الآلامِ والمفاسد ألبتةَ فإنَّ لذاتها سريعةُ الانقضاءِ وعقوباتِها وآلامِها أضعافُ ذلك ولهذا قيل: "إن الصبرَ على المعاصِي أهونُ من الصبرِ على عذابِ اللَّه، وقيل:
"رُبَّ شهوةِ ساعو أورثتْ حزنًا طويلاً"
وما في الذنوبِ من اللذاتِ كما في الطعامِ الطيبِ المسموم من اللذةِ، فهي مغمورة بما فيه من المفسدةِ ومؤثرُ لذة الذنبِ كمؤثر لذة الطعامِ المسمومِ الذي فيه من السموم ما يمرضُ أو يقتلُ ومن هاهُنا يُعلمُ أنه لا يُؤثِرُ لذاتِ الذنوبِ إلا من هو جاهل بحقيقةِ عواقبَها، كما لا يؤثرُ أكلَ الطعامِ المسمومِ للِذَّتِهِ إلا من هو جاهل بحالهِ أو غير عاقل، ورجاؤه التخلصَ من شرفا بتوبةٍ أو عفو أو غيرِ ذلك كرجاءِ آكلِ الطعامِ