وقدْ صحَّ أنَّ سبَب نزولها أنَّ رجلاً منهم أخذ ضيفاً من عند النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يضيفُه فلم يجدْ عندَهُ إلا قوتَ صبيانِهِ، فاحتالَ هوَ وامرأتُهُ حتَّى نوَّما صبيانَهُمَا وقامَ إلى السراج كأنه يصلحُهُ فأطفأهُ، ثم جلسَ مع الضيفِ يريهِ أنه يأكلُ معهُ ولم يأكلْ فلما غدًا على رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال لهُ:
"عجبَ اللَّهُ من صنيعِكُما الليلةَ"
ونزلتْ هذه الآيةُ.
وكان كثيرٌ من السلفِ يؤثرُ بفطورِه غيرَه وهو صائمٌ ويصبحُ صائمًا.
منهم عبدُ اللَّه بنُ عمرَ - رضي الله عنهما -، وداودُ الطائيُّ، وعبدُ العزيز بنُ سليمانَ، ومالك بنُ دينارٍ، وأحمدُ بنُ حنبلٍ، وغيرُهم، وكان ابنُ عمرَ لا يفطرُ إلا مع اليتامَى والمساكينِ وربما عَلمَ أن أهلَهُ قد ردُّوهم عنه فلم يفطرْ تلكَ الليلةَ.
ومنهم من كانَ لا يأكلُ إلا مع ضيفٍ له.
قال أبو السوارِ العدويُّ: كانَ رجالاً من بني عدي يصلُّون في المسجدِ ما أفطرَ أحدٌ منهُم على طعامٍ قط وحدَهُ، إن وجدَ من يأكلُ معه أكلَ، وإلا أخرجَ طعامَهُ إلى المسجدِ فأكلهُ مع الناسِ وأكلَ الناسُ معهُ.
وكانَ منهُم من يطعمُ إخوانهُ الطعامَ وهو صائم ويجلسُ يخدمهُم.
ويروحهُم، منهمُ الحسنُ، وابنُ المباركِ، وكان ابنُ المباركِ ربما يشتهي الشيءَ فلا يصنعُهُ إلا لضيفٍ ينزلُ به فيأكلُهُ مع ضيفِهِ، وكانَ كثير منهُم يفضلُ إطعامَ الإخوانِ على الصدقةِ على المساكينِ.
وقد رُويَ هذا المعنى مرفوعًا من حديث أنسٍ بإسنادٍ ضعيفٍ، ولاسيَّما إن كان الإخوانُ لا يجدونَ مثل ذلكَ الطعامِ.