للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ: بل تضعكَ، فقالَ: نِعمَ الثوبُ ثوبٌ يضعُ صاحبهُ عندَ الناسِ، ولكن انظرْ يا مالكُ لعلَّ ثوبيكَ هذين يعني الصوفَ أنزلاكَ عندَ الناسِ ما لم ينزلاكَ من اللَّهِ، فبكى مالكٌ وقام إليه واعتنقهُ وقال له: أنشدكَ اللَّهَ أنت سيارُ أبو

الحكم؟

قالَ: نعم.

فلهذا كرهَ من كرهَ من السلفِ كابنِ سيرينَ وغيره لباسَ الصوفِ حيثُ صارَ

شعارَ الزاهدينَ فيكونُ لباسُهُ إشهارًا للنفسِ وإظهارًا للزهدِ، وأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فكانَ يلبسُ لباسَ الأغنياءِ من حللِ اليمنِ وثيابِ الشامِ ونحوهَا، وتارةً يلبسُ لباسَ المساكينِ، فيلبسُ جبةً من صوفٍ أحيانًا وأحيانًا يتزر بعباءه، ويهيئُ إبلَ الصدقةِ بيدهِ يعني أنه يطليَها بيدِهِ ويصلحهَا كما يفعلُ أربابُ الإبلِ بها، ولم يبعثِ اللَّهُ نبيًا من أهلِ الكبرِ، وإنَّما يبعثُ من لا كبرَ عندَهُ ولا يتكبرُ عن معالجةِ الأشياءِ التي يأنفُ منها المتكبرونَ كرعايةِ الإبلِ والغنم، وإجارةِ نفسِهِ عندَ الحاجةِ إلى الاكتسابِ، ومن أعطاهُ اللَّهُ منهم مُلكًا فإنهُ لم يزل دأبهُ التواضعَ للَّهِ عز وجل كداودَ وسليمانَ ومحمدٍ صلَّى اللَّهُ عليهم وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

وقد يطلقُ اسمُ المسكينِ ويرادُ بهِ من استكانَ قلبُه للهِ عز وجل وانكسر لهُ

وتواضعَ لجلالهِ وكبريائهِ وعظمتهِ وخشيتهِ ومحبتِهِ ومهابتِهِ، وعلى هذا المعنى

حملَ بعضُهم الحديثَ المرويَّ عن النبيًّ - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "اللَّهم أحيني مسكينا وأمتْني مسكينا واحشرنِي في زمرةِ المساكينِ "

خرَّجهُ الترمذيُّ من حديثِ أنسٍ وخرَّجَهُ ابنُ ماجةَ من حديثِ ابنِ عباسٍ، وفي حملهِ على ذلكَ نظرٌ؛ لأن

<<  <  ج: ص:  >  >>