للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمنِ انكسَرَ قلبُه للهِ عز وجل واستكانَ وخشع وتواضعَ جبرهُ اللَّهُ عز وجل

رفعهُ بقدرِ ذلكَ، وفي الأثرِ المشهورِ أن اللَّهَ عز وجل قالَ لموسى على نبيِّنا

وعليهِ أفضلُ الصلاةِ والسلامِ حينَ سألَهُ أينَ أجدكَ؟

قالَ: عندَ المنكسرةِ قلوبُهُم من أجلي، فإني أدْنو منهُم كلَّ يوم باعًا ولولا ذلكَ انهدَموا.

وروِي عن عبدِ اللَّهِ بي سلامٍ أنه فسرهُ فقال: هم المنكسرة قلوبُهُم بحبِّ

اللَّهِ عن حبِّ غيرهِ، وفي الحديثِ المشهورِ المرفوع:

"أنَّ اللَهَ تعالى إذا تجلَّى لشيء من خلقِهِ خشعَ له "

فإذا تجلَّى لقلوبِ العارفينَ عظمةُ اللَّهِ وجلالهُ وكبرياؤه

اندكت قلوبهم من هيبتِهِ وخشعتْ وانكسرتْ من محبَّتِهِ ومخافتِهِ:

مساكينُ أهلِ الحبِّ حتى قبورُهم. . . عليها ترابُ الذلِّ بينَ المقابرِ

فالمسكينُ في الحقيقةِ من استكانَ قلبُهُ لربه وخشعَ من خشيتِهِ ولا يكونُ

المسكينُ ممدوحًا بدونِ هذه الصفةِ، فإنَّ من لم يخشعْ قلبُهُ معَ فقرِه وحاجتِهِ

فهوَ جبار كتلكَ الأمة السوداء التي قالَ فيها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّها جبَّارةٌ"

وهو إما عائلٌ مستكبر أو فقير مختالٌ، وكلاهما لا ينظرُ اللَهُ إليه يومَ القيامةِ، فالمؤمنُ من يستكينُ قلبُهُ لربِّه ويخشعُ له ويتواضعُ ويظهرُ مسكنتهُ وفاقتَه إليهِ في الشدَّةِ والرخاءِ، أما في حالِ الرخاءِ فإظهارُ الذل والعبوديةِ والفاقةِ والحاجةِ إلى كشفِ الضر قالَ تعالى:

(وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَعُونَ) ، فذمَّ من لا يستكينُ لربِّهِ عندَ الشدةِ، وكانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -

يخرجُ عندَ الاستسقاءِ متخشعًا متمسكنًا.

وحُبسَ لمطرفِ بنِ عبد اللَّهِ قريبٌ له لبسَ خلقانَ ثيابهِ، وأخذ بيده قصبةً

<<  <  ج: ص:  >  >>