للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

استوى بمماسة، ولا بملاقاة. تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. والله تعالى لم يلحقه تغير ولا تبدل، ولا يلحقه الحدود قبل خلق العرش، ولا بعد خلق العرش.

وكان ينكر على من يقول: إن الله فى كل مكان بذاته. لأن الأمكنة كلها محدودة. وحكى عن عبد الرحمن بن مهدى عن مالك: أن الله تعالى مستو على عرشه المجيد، كما أخبر، وأن علمه فى كل مكان، ولا يخلو شئ من علمه، وعظم عليه الكلام فى هذا واستبشعه.

فهو سبحانه عالم بالأشياء، مدبر لها من غير مخالطة، ولا موالجة، بل هو العالى عليها، منفرد عنها. وقرأ أحمد بن حنبل قوله تعالى {(وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ) *} وقرأ {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ، وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ} وقرأ {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّماءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ} وقرأ {إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ} وقرأ {يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ}

وذهب أحمد بن حنبل رضى الله عنه إلى أن الله عزّ وجل يغضب ويرضى وأن له غضبا ورضى. وقرأ أحمد قوله عزّ وجل {وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي. وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوى} فأضاف الغضب إلى نفسه. وقال عزّ وجل {فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ}. قال ابن عباس: يعنى أغضبونا. وقوله أيضا {فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها. وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} ومثل ذلك فى القرآن كثير، و «الغضب والرضى» صفتان له، من صفات نفسه، لم يزل الله تعالى غاضبا على ما سبق فى علمه أنه يكون ممن يعصيه، ولم يزل راضيا على ما سبق فى علمه أنه يكون مما يرضيه.

وأنكر أصحابه على من يقول: إن الرضى والغضب مخلوقان. قالوا: من قال ذلك، لزمه أن غضب الله عزّ وجل على الكافرين يفنى، وكذلك رضاه على الأنبياء والمؤمنين، حتى لا يكون راضيا على أوليائه، ولا ساخطا على أعدائه، وسمى ما كان عن الصفة باسم الصفة مجازا فى بعض الأشياء، وسمى عذاب الله تعالى وعقابه غضبا وسخطا. لأنهما عن الغضب كانا.

<<  <   >  >>