للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الوحشي الغليظ"، ويسمَّى أيضًا "المتوعِّر"، وليس وراءه في القبح درجة أخرى، ولا يستعمله إلا أجهل الناس ممن لم يخطر بباله معرفة هذا الفنِّ أصلًا.

فإن قيل: فما هذا النوع من الألفاظ?

قلت: قد ثبت لك أنه ما كرهه سمعك، وثقل على لسانك النطق به.

وسأضرب لك في ذلك مثالًا، فمنه ما ورد لتأبَّط شرًّا في كتاب الحماسة:

يظل بموْمَاةٍ ويمسي بغيرها ... جحيشًا ويَعْرَوْرِي ظهور المسالك١

فإن لفظة: "جحيش" من الألفاظ المنكرة القبيحة، ويالله العجب! أليس أنها بمعنى "فريد"، وفريد لفظة حسنة رائقة، ولو وضعت في هذا البيت موضع "جحيش" لما اختلَّ من وزنه.

فتأبط شرًا ملوم من وجهين في هذا الموضع:

أحدهما: أنه استعمل القبيح.

والآخر: أنه كانت له مندوحة عن استعماله فلم يعدل عنها.

ومما هو أقبح منها ما ورد لأبي تمام من قوله:

قد قلت لما اطلخمَّ الأمر وانبعثت ... عشواء تليةٌ غبسًا دهاريسا٢

فلفظة: "اطلخمَّ" من الألفاظ المنكرة التي جمعت الوصفين القبيحين في أنها غريبة, وأنها غليظة في السمع, كريهة على الذوق، وكذلك لفظة "دهاريس" أيضًا.


١ ديوان الحماة ١/ ٣١ ورواية الديوان:
ويعرورى ظهور المهالك
والموْمَاة: المفازة لا ماء فيها، والجحيش: المنفرد، ويعروري أي: يرتكب المهالك، والمعنى: إنه كثير الجولان في الأرض مستأنس بنفسه، يرتكب المهالك لشدة حماسته وجراءته.
٢ ديوان أبي تمام ٧١٧, وهو من قصيدة يمدح بها عياش بن لهيعة، ومطلعها:
أحيا حشاشة قلب كان مخلوسًا ... ورم بالصبر عقلًا كان مألوسا
ومعنى اطلخمَّ: أظلمَّ، والعشواء: ضعيفة البصر، والقبس: جمع غباء وهي المظلمة، والدهاريس: الدواهي.

<<  <  ج: ص:  >  >>