للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجدت الغريب الحسن يسوغ استعماله في الشعر، ولا يسوغ في الخطب والمكاتبات، وهذا ينكره من يسمعه حتى ينتهي إلى ما أوردته من الأمثلة، ولربما أنكره بعد ذلك, إما عنادًا وإما جهلًا، لعدم الذوق السليم عنده.

فمن ذلك قول الفرزدق١:

ولولا حياءٌ زدت رأسك شجةً ... إذا سبرت ظلت جوانبها تغلي٢

شرنبثةٌ شمطاء من ير ما بها ... تشبه ولو بين الخماسيّ والطفل٣

فقوله: "شرنبثة" من الألفاظ الغريبة التي يسوغ استعمالها في الشعر، وهي ههنا غير مستكرهة، إلا أنها لو وردت في كلام منثور من كتاب أو خطبة لعيبت على مستعملها.

وكذلك وردت لفظة "مشمخر"٤ فإنَّ بشرًا قد استعملها في أبياته التي يصف فيها لقاءه الأسد، فقال:

وأطلقت المهند عن يميني ... فقد له من الأضلاع عشرا

فخرَّ مضرجًا بدمٍ كأني ... هدمت به بناءً مشمخرَّا

وعلى هذا ورد قول البحتري في قصيدته التي يصف فيها إيوان كسرى فقال:

مشمخرٌ تعلو له شرفاتٌ ... رفعت في رءوس رضوى وقدس٥

فإن لفظة "مشمخر" لا يحسن استعمالها في الخطب والمكاتبات، ولا بأس بها ههنا في الشعر، وقد وردت في خطب الشيخ الخطيب ابن نباتة، كقوله في خطبة يذكر فيها


١ ديوان الفرزدق ٢/ ٧١٣ من قصيدة مطلعها:
ألا استهزأت مني هنيدة أن رأت ... أسيرًا يداني خطوه حلق الحجل
٢ رواة الديوان "هزمة" موضع "شجة", والهزمة: الشق، والسير تقدير الجراحة.
٣ الشرنيث في الأصل الغليظ، أراد أنها قبيحة منكرة، في الأصل " ... من يرتمي بها يشبه ... ", ويقال "غلام خماسي" إذا كان طوله خمسة أشبار، ولا يقال: سداسي ولا سباعي؛ لأنه إذا بلغ ستة أشبار فهو رجل، والطفل هو الصغير أو المولود.
٤ المشمخر: الجبل العالي.
٥ شرفات القصر: ما أشرف من بنائه، ورضوى: جبل، وقدس: جبل بنجد، يشبه القصر في ضخامته وارتفاعه بهذين الجبلين.

<<  <  ج: ص:  >  >>