للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك ورد قوله تعالى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} ١.

وأما مثال الثاني: وهو الرقيق اللفظ, فقوله تعالى في مخاطبة النبي -صلى الله عليه وسلم: {وَالضُّحَى، وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} ٢ ... إلى آخر السورة.

وكذلك قوله تعالى في ترغيب المسألة: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} ٣.

وهكذا ترى سبيل القرآن الكريم في كلا هذين الحالين من الجزالة والرقَّة، وكذلك كلام العرب الأول في الزمن القديم مما ورد نثرًا، ويكفي من ذلك كلام قبيصة بن نعيم لما قدم على امرئ القيس في أشياخ بني أسد يسألونه العفوَ عن دم أبيه، فقال له:

"إنك في المحل والقدر من المعرفة بتصرف الدهر, وما تحدثه أيامه, وتنتقل به أحواله, بحيث لا تحتاج إلى تذكير من واعظ، ولا تبصير من مجرب, ولك من سؤدد منصبك, وشرف أعراقك, وكرم أصلك في العرب محتد٤، يحتمل ما حمل عليه من إقالة العثرة, ورجوع عن الهفوة، ولا تتجاوز الهمم إلى غاية إلا رجعت إليك, فوجدت عندك من فضيلة الرأي, وبصيرة الفهم, وكرم الصفح, ما يطول رغباتها ويستغرق طلباتها، وقد كان الذي كان من الخطب الجليل الذي عمَّت رزيته بزارًا واليمن, ولم تخصص بذلك كندة دوننا, للشرف البارع الذي كان لحجر، ولو كان يفدي هالك بالأنفس الباقية بعده لما بخلت كرائمنا بها على مثله، ولكنه مضى به سبيل لا يرجع أخراه على أولاه، ولا يلحق أقصاه أدناه، فأحمد الحالات في ذلك أن تعرف الواجب عليك في إحدى خلال ثلاث:


١ سورة الأنعام: الآية ٩٤.
٢ سورة الضحى: الآيات ١-٣.
٣ سورة البقرة: الآية ١٨٦.
٤ المحتد: الأصل والطبع.

<<  <  ج: ص:  >  >>