للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إمَّا أن اخترت من بني أسد أشرفها بيتًا، وأعلاها في بناء المكرمات صوتًا، فقُدْنَاه إليك بنسعةٍ١ تذهب شفرات حسامك بباقي قصرته٢، فنقول: رجل امتُحِنَ بهالك عزيز, فلم يستلّ سخيمته٣ إلّا تمكينه من الانتقام.

أو فداءٌ بما يروح على بني أسد من نَعَمِها, فهي ألوف تجاوز الحسبة، فكان ذلك فداءً رجعت به القصب إلى أجفانها, لم يُرَدِّدْها تسليط الإحن على البراء.

وإمَّا أن وادعتنا إلى أن تضع الحوال، فتسدل الأُزر، وتُعْقَد الخمر فوق الرايات".

فبكى امرؤ القيس ساعة, ثم رفع رأسه فقال:

"لقد علمت العرب أنه لا كفء لحجر في دم، وإني لن أعتاض به جملًا ولا ناقة, فأكتسب به سُبَّة الأبد، وفتَّ العضد.

وأما النظرة فقد أوجبتها الأجنَّة في بطون أمهاتها، ولن أكون لعطبها سببًا, وستعرفون طلائع كندة من بعد ذلك تحمل في القلوب حنقًا٤، وفوق الأسنة علقًا٥:

إذا جالت الحرب في مأزقٍ ... تصافح فيه المنايا النُّفُوسَا

أتقيمون أم تنصرفون?".

قالوا: "بل ننصرف بأسوأ الاختيار، وأبلى الاجترار، بمكروه وأذية, وحرب وبلية".

ثم نهضوا عنه, وقبيصة يتمثَّل:

لعلك أن تَسْتَوْخِمَ الورد إن غَدَتْ ... كتائبنا في مأزق الحرب تمطر

فقال امرؤ القيس: "لا والله! ولكن أستعذبه، فرُوَيْدًا ينفرج لك دجَاهَا من


١ النسع -بالكسر: سير ينسج عريضًا على هيئة أعنَّة النعال تشد به الرحال، والفعلية منه لسعة.
٢ القصرة أصل العنق.
٣ السخيمة: الحقد.
٤ الحنق: الغيظ، أو شدته.
٥ العلق: محركة الدم عامة، أو الشديد الحمرة، أو الغليظ، أو الجامد.

<<  <  ج: ص:  >  >>