للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرسان كندة وكتائب حمير، ولقد كان ذكرٌ غير هذا بي أَوْلَى، إذ كنت نازلًا بربعي، ولكنك قلت فأجبت, فقال امرؤ القيس: هو ذاك١.

فلتنظر إلى هذا الكلام من الرجلين قبيصة وامرئ القيس، حتى يدع المتعمِّقون تعمقهم في استعمال الوحشي من الألفاظ, فإن هذا الكلام قد كان في الزمن القديم قبل الإسلام بما شاء الله، وكذلك كلام كل فصيح من العرب مشهور، وما عداه فليس بشيء.

وهذا المشار إليه ههنا هو جزل كلامهم، وعلى ما تراه من السلاسة والعذوبة.

وإذا تصَّفحْتَ أشعارهم أيضًا وجدت الوحشيَّ من الألفاظ قليلًا بالنسبة إلى المسلسل في الفم والسمع، ألا ترى إلى هذه الأبيات الواردة للسموءل بن عاديا، وهي٢:

إذا المرء لم يَدْنَس من اللوم عرضه ... فكل رداءٍ يرتديه جميل

وإن هو لم يحمل على النفس ضيمها ... فليس إلى حسن الثناء سبيل

تُعَيِّرُنَا أنَّا قليلٌ عديدنا ... فقلت لها إنَّ الكرام قليل

وما ضَرَّنَا أنَّا قليلٌ وجارنا ... عزيزٌ وجار الأكثرين ذليل

يقرب حُبُّ الموت آجالنا لنا ... وتكرهُه آجالهم فتطول

وما مات منَّا سيدٌ حتف أنفه٣ ... ولا طُلَّ منَّا حيث كان قتيل

علونا إلى خير الظهور٤ وحطنا ... لوقتٍ إلى خير البطون يزول

فنحن كماء المزن ما في نصابنا ... كَهَامٌ٥ ولا فينا يُعَدُّ بخيل

إذا سيدٌ منَّا خلا قام سيدٌ ... قئولٌ لما قال الكرام فعول


١ صححنا بعض ألفاظ هذا النص بمقابلته على رواية القلقشندي "انظر صبح الأعشى ٢/ ٢٠٨".
٢ الأبيات في ديوان الحماسة ١/ ٣٦.
٣ قال: "مات فلان حتف أنفه" إذا مات من غير قتل ولا ضرب -والمعنى أنفه لا تموت. ولكن تقتل، ودم القتيل منَّا لا يذهب هدرًا.
٤ يشير إلى صريح نسبهم وخلوصه بما يحط بشرفهم.
٥ كماء المزن أي: ماء السحاب -يشبه صفاء أنسابهم بصفاء ماء المطر، والنصاب: الأصل، والكهام: الكليل الحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>