للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تمتَّع من شميم عرار نجدٍ ... فما بعد العشيَّة من عرار١

ألا يا حبذا نفحاتُ نجدٍ ... وَرَيَّا روضه غِبَّ القطار٢

وأهلك إذ يحلُّ الحيُّ نجدًا ... وأنت على زمانك غير زار٣

شهورٌ ينقضين وما شعرنا ... بأنصافٍ لهنَّ ولا سرار٤

فأمَّا ليلهنَّ فخير ليلٍ ... وأطيب ما يكون من النهار

ومما ترقص الأسماع له، ويرنُ على صفحات القلوب، قول يزيد بن الطثرية في محبوبته من جرم:

بنفسي مَنْ لو مَرَّ بَرْدُ بنانه ... على كبدي كانت شفاءً أنامله

ومن هَابَني في كل شيءٍ وهبْتُه ... فلا هو يعطيني ولا أنا سائله

وإذا كان هذا قول ساكنٍ في الفلاة لا يرى إلّا شيحةً أو قيصومة، ولا يأكل إلا ضبًّا أو يربوعًا، فما بال قوم سكنوا الحضر، ووجدوا رقَّة العيش، يتعاطون وحشيّ الألفاظ، وشظَفَت العبارات ولا يخلد إلى ذلك إما جاهل بأسرار الفصاحة، وإما عاجز عن سلوك طريقها، فإن كل أحد ممن شدا شيئًا من علم الأدب يمكنه أن يأتي بالوحشيّ من الكلام، وذاك أنَّه يلتقطه من كتب اللغة، أو يتلقَّفه من أربابها، وأما الفصيح المتَّصف بصفة الملاحة فإنه لا يقدر عليه، ولو قدَرَ عليه لما علم أين يضع يده في تأليفه وسبكه.

فإن مارى في ذلك مُمارٍ فلينظر إلى أشعار علماء الأدب ممَّن كان مشارًا إليه، حتى يعلم صحَّة ما ذكرته: هذا ابن دُرَيْد٥، قد قيل: إنه أشعر علماء الأدب، وإذا نظرت


١ الشميم مصدر، أراد به المشموم، والمراد وردة ناعمة صفراء طيبة الرائحة.
٢ القطار جمع قطر، والنفح تضوع الرياح بالنسيم بالطيب.
٣ زرى عليه: عابه, والمعنى: ومحبوب إلي أيضًا منها زمان أهلك حين كانوا نازلين بنجد، وأنت راض منه لمساعدته إياك بما تهواه وتريده.
٤ سرار الشهر: آخره.
٥ هو أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي، ولد بالبصرة سنة ٢٢٣هـ، وكان نابغة في اللغة والأدب والأنساب، وبرع في الشعر، حتى قيل فيه: أشهر العلماء وأعلم الشعراء، وله عدة تصانيف منها كتاب "الجمهرة" في اللغة، توفي سنة ٣٢١هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>