٢٢٧ - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ خَالِدٍ قَالَ: ثنا أَبِي قَالَ: ثنا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ أَبِي الْأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: " لَمَّا حَضَرَ الْمَوْسِمُ حَجَّ نَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ بَنِي مَالِكِ بْنِ النَّجَّارِ مِنْهُمْ مُعَاذُ بْنُ عَفْرَاءَ وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ وَمِنْ بَنِي زُرَيْقٍ رَافِعُ بْنُ مَالِكٍ وَذَكْوَانُ بْنُ عَبْدِ قَيْسٍ وَمِنْ بَنِي غَنْمِ بْنِ عَوْفٍ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ ثَعْلَبَةَ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيْهَانِ وَمِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُمْ خَبَرَهُ وَالَّذِي اصْطَفَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ مِنْ نُبُوَّتِهِ وَكَرَامَتِهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ فَلَمَّا سَمِعُوا قَوْلَهُ أَيْقَنُوا وَاطْمَأَنُّوا إِلَى دَعْوَتِهِ وَعَرَفُوا مَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ ذِكْرِهِمْ إِيَّاهُ بِصِفَتِهِ وَمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ فَصَدَّقُوا وَآمَنُوا بِهِ وَكَانُوا مِنْ أَسْبَابِ الْخَيْرِ قَالُوا لَهُ: قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي بَيْنَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ مِنَ الدِّمَاءِ وَنَحْنُ ثَمَّ نُحِبُّ مَا أَنْ نَشُدَّ بِهِ أَمْرَكَ وَنَحْنُ لِلَّهِ وَلَكَ مُجْتَهِدُونَ وَإِنَّا نُشِيرُ عَلَيْكَ بِمَا نَرَى فَامْكُثْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ حَتَّى نَرْجِعَ إِلَى قَوْمِنَا فَنُخْبِرَهُمْ بِشَأْنِكَ وَنَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَنَا وَيَجْمَعَ أَمْرَنَا، فَإِنَّا الْيَوْمَ مُتَبَاعِدُونَ مُتَبَاغِضُونَ، فَإِنْ تَقْدَمْ عَلَيْنَا وَلَمْ نَصْطَلِحْ لَمْ يَكُنْ لَنَا جَمَاعَةٌ عَلَيْكَ، وَلَكِنْ نُوَاعِدُكَ الْمَوْسِمَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ، فَرَضِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَالُوا، فَرَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ فَدَعَوْهُمْ سِرًّا، وَأَخْبَرُوهُمْ ⦗٣٠٧⦘ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ وَدَعَاهُمْ إِلَيْهِ بِالْقُرْآنِ، حَتَّى قَلَّ دَارٌ مِنْ دُورِهِمْ إِلَّا أَسْلَمَ فِيهَا نَاسٌ لَا مَحَالَةَ، ثُمَّ بَعَثُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِ ابْعَثْ إِلَيْنَا رَجُلًا مِنْ قِبَلِكَ فَيَدْعُو النَّاسَ بِكِتَابِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ أَدْنَى أَنْ يُتَّبَعَ، فَبَعَثَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ أَخَا بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَنَزَلَ فِي بَنِي غَنْمٍ عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَجَعَلَ يَدْعُو النَّاسَ سِرًّا فَيَفْشُو الْإِسْلَامُ وَيَكْثُرُ أَهْلُهُ وَهُمْ فِي ذَلِكَ مُسْتَخْفُونَ بِدُعَائِهِمْ ثُمَّ إِنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ أَقْبَلَ هُوَ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ حَتَّى أَتَيَا بِئْرَ مَرَقٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَجَلَسَا هُنَاكَ وَبَعَثَا إِلَى رَهْطٍ مِنْ أَهْلِ الْأَرْضِ فَأَتَوْهُمْ مُسْتَخْفِينَ فَبَيْنَا مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ يُحَدِّثُهُمْ وَيَقُصُّ عَلَيْهِمْ أُخْبِرَ بِهِمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَأَتَاهُمْ فِي لَأْمَتِهِ مَعَهُ الرُّمْحُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: عَلَامَ تَأْتِينَا فِي دُورِنَا بِهَذَا الْوَحِيدِ الْفَرِيدِ الطَّرِيحِ الْغَرِيبِ يُسَفِّهُ ضُعَفَاءَنَا بِالْبَاطِلِ، وَيَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، وَلَا أَرَاكُمْ بَعْدَهَا بشَيْءٍ مِنْ جِوَارِنَا، فَرَجَعُوا ثُمَّ إِنَّهُمْ عَادُوا الثَّانِيَةَ لِبِئْرِ مَرَقٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَأُخْبِرَ بِهِمْ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَتَوَاعَدَهُمْ تَوَعُّدًا دُونَ الْوَعِيدِ الْأَوَّلِ، فَلَمَّا رَأَى أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ مِنْهُ لِينًا قَالَ: يَا ابْنَ خَالَةٍ، اسْمَعْ مِنْ قَوْلِهِ، فَإِنْ سَمِعْتَ مُنْكَرًا فَارْدُدْهُ بِأَهْدَى مِنْهُ، وَإِنْ سَمِعْتَ حَقًّا فَأَجِبْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: مَاذَا يَقُولُ؟ فَقَرَأَ عَلَيْهِ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ: {حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الزخرف: ٢] فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ: مَا أَسْمَعُ إِلَّا مَا أَعْرِفُ ⦗٣٠٨⦘، فَرَجَعَ قَدْ هَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يُظْهِرْ لَهُمُ الْإِسْلَامَ حَتَّى رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَدَعَا بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَظْهَرَ إِسْلَامَهُ وَقَالَ: مَنْ شَكَّ فِيهِ مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ أَوْ أُنْثَى أَوْ ذَكَرٍ فَلْيَأْتِنَا بِأَهْدَى مِنْهُ نَأْخُذْ بِهِ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ جَاءَ أَمْرٌ لَتُحَزَّنَّ فِيهِ الرِّقَابُ، فَأَسْلَمَتْ بَنُو عَبْدِ الْأَشْهَلِ عِنْدَ إِسْلَامِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ وَدُعَائِهِ إِلَّا مَنْ لَمْ يُذَكِّرْ، فَكَانَتْ أَوَّلَ دُورٍ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ أَسْلَمَتْ بِأَسْرِهِمْ، ثُمَّ إِنَّ بَنِي النَّجَّارِ أَخْرَجُوا مُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ وَاشْتَدُّوا عَلَى أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ فَانْتَقَلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ إِلَى سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يَدْعُو وَيَهْدِي اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ حَتَّى قَلَّ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا أَسْلَمَ فِيهَا نَاسٌ لَا مَحَالَةَ، وَأَسْلَمَ أَشْرَافُهُمْ وَأَسْلَمَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ وَكُسِرَتْ أَصْنَامُهُمْ، وَكَانَتِ الْمُسْلِمُونَ أَعَزَّ أَهْلِهَا وَصَلُحَ أَمْرُهُمْ، وَرَجَعَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُدْعَى الْمُقْرِئَ، ثُمَّ حَجَّ الْعَامَ الْمُقْبِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْهُمْ أَرْبَعُونَ رَجُلًا مِنْ ذَوِي أَسْنَانِهِمْ وَأَشْرَافِهِمْ وَثَلَاثُونَ شَابًّا، وَأَصْغَرُهُمْ عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو وَأَبُو مَسْعُودٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَلَمَّا حَدَّثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالَّذِي خَصَّهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالْكَرَامَةِ وَدَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَإِلَى أَنْ يُبَايِعُوهُ وَيَمْنَعُوهُ مِمَّا يَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ أَجَابُوا وَصَدَّقُوا وَقَالُوا: اشْتَرِطْ لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ، قَالَ: «أَشْتَرِطُ لِرَبِّي أَنْ لَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْبُدُوهُ، وَأَشْتَرِطُ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ» فَلَمَّا طَابَتْ أَنْفُسُهُمْ بِذَلِكَ الشَّرْطِ اشْتَرَطَ لَهُ الْعَبَّاسُ وَأَخَذَ عَلَيْهِمُ الْمَوَاثِيقَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَظَّمَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْعَقَبَةِ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ ⦗٣٠٩⦘ التَّيْهَانِ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ حِبَالًا، وَالْحِبَالُ الْحِلْفُ وَالْمَوَاثِيقُ، فَلَعَلَّنَا نَقْطَعُهَا ثُمَّ تَرْجِعُ إِلَى قَوْمِكَ وَقَدْ قَطَعْنَا الْحِبَالَ وَحَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَقَالَ: «الدَّمَ الدَّمَ، وَالْهَدْمَ وَالْهَدْمَ» فَلَمَّا رَضِيَ أَبُو الْهَيْثَمِ بِمَا رَجَعَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَقْبَلَ عَلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا قَوْمِ، هَذَا رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَصَادِقٌ، وَإِنَّهُ الْيَوْمَ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَأَمْنِهِ بَيْنَ ظَهْرَيْ قَوْمِهِ وَعَشِيرَتِهِ، فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنْ تُخْرِجُوهُ تَرْمِكُمُ الْعَرَبُ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ بِالْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَذَهَابِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فَادْعُوهُ إِلَى أَرْضِكُمْ، فَإِنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا، وَإِنْ خِفْتُمْ خِذْلَانَهُ فَمِنَ الْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: قَبِلْنَا عَنِ اللَّهِ وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ، فَخَلِّ بَيْنَنَا يَا أَبَا الْهَيْثَمِ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ فَلْنُبَايِعْهُ فَقَالَ أَبُو الْهَيْثَمِ: فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يُبَايِعُ، ثُمَّ تَتَابَعُوا كُلُّهُمْ، وَصَاحَ الشَّيْطَانُ مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ هَذِهِ بَنُو الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ تَحَالَفُ عَلَى قِتَالِكُمْ، فَفَزِعُوا عِنْدَ ذَلِكَ وَرَاعَهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَرُعْكُمْ هَذَا الصَّوْتُ، فَإِنَّمَا هُوَ عَدُوُّ اللَّهِ إِبْلِيسُ، لَيْسَ يَسْمَعُهُ أَحَدٌ مِمَّنْ تَخَافُونَ» وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَرَخَ بِالشَّيْطَانِ فَقَالَ: «يَا ابْنَ أَزَبَّ، أَهَذَا عَمَلُكَ؟ سَأَفْرُغُ لَكَ» وَبَلَغَ قُرَيْشًا الْحَدِيثُ فَأَقْبَلُوا حَتَّى إِنَّهُمْ لَيَتَوَطَّئُونَ عَلَى رَحْلِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُبْصِرُونَهُمْ فَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ وَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عُبَادَةَ بْنِ نَضْلَةَ أَخُو بَنِي سَالِمٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ شِئْتَ وَالَّذِي أَكْرَمَكَ مِلْنَا عَلَى أَهْلِ مِنًى بِأَسْيَافِنَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ وَكَانَ هَؤُلَاءِ النَّفَرُ اتَّفَقُوا عَلَى مَرْضَاةِ اللَّهِ وَأَوْفَوْا بِالشَّرْطِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ بِنَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ⦗٣١٠⦘ ثُمَّ صَدَرُوا رَابِحِينَ رَاشِدِينَ إِلَى بِلَادِهِمْ وَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ مَلْجَأً وَأَنْصَارًا وَدَارَ هِجْرَةٍ
٢٢٨ - حَدَّثَنَا حَبِيبُ بْنُ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَرْوَزِيُّ قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: ثنا سَلَمَةُ بْنُ الْفَضْلِ وثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: ثنا مِنْجَابُ بْنُ حَارِثٍ قَالَ: ثنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ ثنا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَا: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ الْأَنْصَارُ الْمَدِينَةَ بَعْدَمَا بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهَرَ الْإِسْلَامُ بِهَا وَفِي قُومِهِمْ بَقَايَا عَلَى دِينِهِمْ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْهُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ وَكَانَ ابْنُهُ مُعَاذٌ قَدْ شَهِدَ الْعَقَبَةَ وَبَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا وَكَانَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ سَيِّدَا مِنْ سَادَاتِ بَنِي سَلَمَةَ وَشَرِيفًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَكَانَ قَدِ اتَّخَذَ فِي دَارِهِ صَنَمًا مِنْ خَشَبٍ يُقَالُ لَهُ مَنَاةُ كَمَا كَانَتِ الْأَشْرَافُ يَصْنَعُونَ يَتَّخِذُهُ إِلَهًا وَيُطَهِّرُهُ فَلَمَّا أَسْلَمَ فِتْيَانُ بَنِي سَلَمَةَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَابْنُهُ مُعَاذُ بْنُ عَمْرٍو فِي فِتْيَانٍ مِنْهُمْ مِمَّنْ أَسْلَمَ وَشَهِدَ الْعَقَبَةَ كَانُوا يَدْخُلُونَ عَلَى صَنَمِ عَمْرٍو ذَلِكَ فَيَحْمِلُونَهُ فَيَطْرَحُونَهُ فِي بَعْضِ حُفَرِ بَنِي سَلَمَةَ وَفِيهَا عَذِرَةُ النَّاسِ مُنَكَّسًا عَلَى رَأْسِهِ فَإِذَا أَصْبَحَ عَمْرٌو قَالَ: وَيْلَكُمْ مَنْ عَدَا عَلَى إِلَهِنَا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ؟ قَالَ: ثُمَّ يَغْدُو يَلْتَمِسُهُ حَتَّى إِذَا وَجَدَهُ غَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ وَطَيَّبَهُ ثُمَّ قَالَ: وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنِّي أَعْلَمُ مَنْ صَنَعَ بِكَ هَذَا لَأُخْزِيَنَّهُ فَإِذَا أَمْسَى عَمْرٌو وَنَامَ عَدَوَا عَلَيْهِ فَفَعَلُوا بِهِ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَيْهِ اسْتَخْرَجَهُ مِنْ حَيْثُ أَلْقَوْهُ يَوْمًا فَغَسَلَهُ وَطَهَّرَهُ وَطَيَّبَهُ ثُمَّ جَاءَ ⦗٣١١⦘ بِسَيْفِهِ فَعَلَّقَهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ مَنْ يَفْعَلُ بِكَ مَا نَرَى فَإِنْ كَانَ فِيكَ خَيْرٌ فَامْتَنِعْ بِهَذَا السَّيْفِ مَعَكَ فَلَمَّا أَمْسَى وَنَامَ عَدَوَا عَلَيْهِ فَأَخَذُوهُ وَالسَّيْفُ فِي عُنُقِهِ ثُمَّ أَخَذُوا كَلْبًا مَيِّتًا فَقَرَنُوهُ مَعَهُ بِحَبْلٍ ثُمَّ أَلْقَوْهُ فِي بِئْرٍ مِنْ آبَارِ بَنِي سَلَمَةَ فِيهَا عَذِرَةٌ مِنْ عُذَرِ النَّاسِ وَغَدَا عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ فَلَمْ يَجِدْهُ فِي مَكَانَهُ الَّذِي كَانَ فِيهِ فَخَرَجَ فِي طَلَبِهِ حَتَّى وَجَدَهُ فِي تِلْكَ الْبِئْرِ مَقْرُونًا بِكَلْبٍ مَيِّتٍ فَلَمَّا رَآهُ وَأَبْصَرَ شَأْنَهُ وَكَلَّمَهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ أَسْلَمَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَزَادَ مِنْجَابٌ عَنْ زِيَادٍ فِي حَدِيثِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ قَالَ: لَمَّا أَسْلَمَ فِتْيَانُ بَنِي سَلَمَةَ أَسْلَمَتِ امْرَأَةُ عَمْرِو بْنِ الْجَمُوحِ وَوَلَدُهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: لَا تَدْعِي أَحَدًا مِنْ عِيَالِكِ فِي أَهْلِكَ حَتَّى نَنْظُرَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ قَالَتْ: أَفْعَلُ وَلَكِنْ هَلْ لَكَ أَنْ تَسْمَعَ مِنَ ابْنِكَ فُلَانٍ مَا رَوَى عَنْهُ؟ قَالَ: فَلَعَلَّهُ صَبَأَ قَالَتْ: لَا وَلَكِنْ كَانَ مَعَ الْقَوْمِ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ فَقَالَ: أَخْبِرْنِي مَا سَمِعْتَ مِنَ كَلَامِ هَذَا الرَّجُلِ فَقَرَأَ عَلَيْهِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: ٦] فَقَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ وَكُلُّ كَلَامِهِ مِثْلُ هَذَا؟ فَقَالَ: يَا أَبَتَاهُ وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا قَالَ: فَهَلْ لَكَ أَنْ تُبَايِعَهُ؟ قَدْ صَنَعَ ذَلِكَ عَامَّةُ قَوْمِكَ؟ قَالَ: لَسْتُ فَاعِلًا حَتَّى أُؤَامِرَ مَنَاةَ فَأَنْظُرَ مَا يَقُولُ قَالَ: وَكَانُوا إِذَا أَرَادُوا كَلَامَ مَنَاةَ جَاءَتْ عَجُوزٌ فَقَامَتْ خَلْفَهُ فَأَجَابَتْ عَنْهُ قَالَ: فَأَتَاهُ وَغُيِّبَتِ الْعَجُوزُ وَأَقَامَ عِنْدَهُ فَتَشَكَّرَ لَهُ وَقَالَ: يَا مَنَاةُ تَشْعُرُ أَنَّهُ قَدْ سِيلَ بِكَ وَأَنْتَ غَافِلٌ؟ جَاءَ رَجُلٌ يَنْهَانَا عَنْ عِبَادَتِكَ وَيَأْمُرُنَا بِتَعْطِيلِكَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُبَايِعَهُ حَتَّى أُؤَامِرَكَ، وَخَاطَبَهُ طَوِيلًا فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ، فَقَالَ: أَظُنُّكَ قَدْ غَضِبْتَ وَلَمْ أَصْنَعْ بَعْدُ شَيْئًا، فَقَامَ إِلَيْهِ فَكَسَرَهُ ⦗٣١٢⦘. وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَلَمَةَ فِي حَدِيثِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: قَالَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ حِينَ أَسْلَمَ وَعَرَفَ مِنَ اللَّهِ مَا عَرَفَ وَهُوَ يَذْكُرُ صَنَمَهُ وَمَا أَبْصَرَ مِنْ أَمْرِهِ وَيَشْكُرُ اللَّهَ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِمَّا كَانَ فِيهِ مِنَ الْعَمَى وَالضَّلَالَةِ:
[البحر المتقارب]
أَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مِمَّا مَضَى ... وَأَسْتَنْقِذُ اللَّهَ مِنْ نَارِهِ
وَأُثْنِي عَلَيْهِ بِنَعْمَائِهِ ... إِلَهَ الْحَرَامِ وَأَسْتَارِهِ
فَسُبْحَانَهُ عَدَدَ الْخَاطِئِينَ ... وَقَطْرَ السَّمَاءِ وَمِدْرَارِهِ
هَدَانِي وَقَدْ كُنْتُ فِي ظُلْمَةٍ ... حَلِيفَ مَنَاةٍ وَأَحْجَارِهِ
وَأَنْقَذَنِي بَعْدَ شَيْبِ الْقَذَالِ ... مِنْ شَيْنِ ذَاكَ وَمِنْ عَارِهِ
فَقَدْ كِدْتُ أَهْلِكَ فِي ظُلْمَةٍ ... تَدَارَكَ ذَاكَ بِمِقْدَارِهِ
فَحَمْدًا وَشُكْرًا لَهُ مَا بَقِيتُ ... إِلَهُ الْأَنَامِ وَجَبَّارُهُ
أُرِيدُ بِذَلِكَ إِذَا قُلْتُهُ ... مُجَاوَرَةَ اللَّهِ فِي دَارِهِ
وَقَالَ أَيْضًا يَذُمُّ صَنَمَهُ:
[البحر الرجز]
تَالَلَّهِ لَوْ كُنْتَ إِلَهًا لَمْ تَكُنْ ... أَنْتَ وَكَلْبٌ وَسْطَ بِئْرٍ فِي قَرَنْ
أُفٍ لِمَصْرَعِكَ إِلَهًا مُسْتَدَنٍّ ... الْآنَ فَتَشْنَاكَ عَنْ سُوءِ الْغَبَنْ
هُوَ الَّذِي أَنْقَذَنِي مِنْ قَبْلِ أَنْ ... أَكُونَ فِي ظُلْمَةِ قَبْرٍ مُرْتَهَنْ
الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ ذِي الْمِنَنِ ... الْوَاهِبِ الرَّزَّاقِ دَيَّانِ الدِّيَنْ
. قَالَ الشَّيْخُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَفِي تَضَاعِيفِ هَذِهِ الْأَخْبَارِ أَدِلَّةٌ وَكِيدَةٌ اقْتَصَصْنَا هَذِهِ الْأَخْبَارَ بِأَلْفَاظِهَا لِمَا فِي مَوْدِعِهَا مِنَ الدَّلَائِلِ مِنْهَا مَيْلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ إِلَى الْإِسْلَامِ بَعْدَمَا خَرَجَ بِهِ إِلَى أَسْعَدِ بْنِ ⦗٣١٣⦘ زُرَارَةَ وَمُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ مِنَ الضَّلَالَةِ لِتَدَيُّنِهِ بِالشِّرْكِ فَقَالَا لَهُ: مَنْ شَكَّ فِيهِ فَلْيَأْتِنَا بِأَهْدَى مِنْهُ وَمِنْهَا قَوْلُهُ: هَذَا أَمْرٌ لَتُحَزُّنَّ فِيهِ الرِّقَابُ وَفِيهِ أَنَّ أَوَّلَ مَا حَضَرُوا فِي الْمَوْسِمِ وَسَمِعُوا كَلَامَهُ وَالْقُرْآنَ أَيْقَنُوا وَاطْمَأَنَّتْ أَنْفُسُهُمْ إِلَى دَعْوَتِهِ وَعَرَفُوا مَا سَمِعُوا فِي مَاضِي الْأَيَّامِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صِفَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى سُرْعَةِ أَخْذِ الْقُرْآنِ فِي قُلُوبِهِمْ وَمِنْهَا إِخْبَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِيَّاهُمْ بِصَوْتِ إِبْلِيسَ وَأَنَّهُ لَيْسَ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ يَخَافُونَ وَمِنْهَا تَوْطِئَةُ قُرَيْشٍ مَتَاعَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يُبْصِرُونَهُمْ فَرَجَعُوا