خَيْرِ مَبْعُوثٍ خَتَمَ بِهِ الرِّسَالَةَ، وَغَنَمَ بِالتَّصْدِيقِ بِهِ النَّبَالَةَ وَالْجَلَالَةَ، وَقَرَنَ اسْمَهُ بِاسْمِهِ، وَرَفَعَ فِكْرَهُ لِذِكْرِهِ، مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَخَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، مَا عَبَدَ عَابِدٌ وَسَجَدَ سَاجِدٌ، أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ سَأَلْتُمْ - عَمَّرَ اللَّهُ بِالْبَصَائِرِ طُوِيَّاتِكُمْ، وَنَوَّرَ فِي الْمَسِيرِ إِلَى وِفَاقِهِ أَوْعِيَتَكُمْ وَنِيَّاتِكُمْ - جَمْعَ الْمُنْتَشِرِ مِنَ الرِّوَايَاتِ فِي النُّبُوَّةِ، وَالدَّلَائِلِ وَالْمُعْجِزَاتِ، وَالْحَقَائِقِ، وَخَصَائِصِ الْمَبْعُوثِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّنَاءِ السَّاطِعِ، وَالشِّفَاءِ النَّافِعِ، الَّذِي اسْتَضَاءَ بِهِ السُّعَدَاءِ، وَاشْتَفَى بِهِ الشُّهَدَاءِ، وَاسْتَوْصَلَ دُونَهُ الْبُعَدَاءُ، فَاسْتَعَنْتُ بِاللَّهِ وَاسْتَوْفَقْتُهُ، وَبِهِ الْحَوْلُ وَالْقُوَّةُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزِ، وَاعْلَمُوا - وَفَّقَكُمُ اللَّهُ - أَنَّ الْخَالِقَ الْحَكِيمَ أَنْشَأَ الْخَلْقَ مُخْتَلِفِي الصُّوَرِ وَالْجَوَاهِرِ، مُتَفَاوِتِي الْأَمْزِجَةِ وَالْبَصَائِرِ، أَجْزَاؤُهُمْ فِي الطَّبِيعَةِ وَالْقُوَّةِ مُتَفَاضِلَةٌ، وَأَخْلَاقُهُمْ فِي النَّظَرِ وَالِاعْتِبَارِ مُتَفَاوِتَةٌ، فَمِنْ مُعْتَدِلٍ فِي امْتِزَاجِهِ، مُسْتَغْنٍ بِصِحَّتِهِ عَنِ الْأَطِبَّاءِ وَالْعَقَاقِيرِ، وَمُتَوَسِّطٌ فِي الِاعْتِدَالِ يُطَيِّبُهُ الْقَلِيلُ مِنَ الْأَبَارِيزِ، وَسَاقِطٍ رَذِيلٍ لَا يُقِيمُهُ الْعَزِيزُ مِنَ الْعَنَاصِرِ، كَذَلِكَ الْأَرْوَاحُ مِنْهُمْ صَافٍ ذَكِيٌّ، بِالْحِكْمَةِ مَشْغُوفٌ، وَإِلَى التَّعَرُّفِ وَالتَّبَصُّرِ مَلْهُوفٌ، حَرِيصٌ عَلَى مَا اسْتَبَقَ إِلَيْهِ السُّعَدَاءُ، وَمِنْهَا رَوْحٌ أَكْدَرُ بَطِيْءٌ، عَنِ الْمَعَارِفِ وَالْبَصَائِرِ مَعْصُوفٌ، وَعَنِ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ مَصْرُوفٌ، خَمِيصٌ إِلَى مَا اسْتَلَدَّهُ الْبُعَدَاءُ، وَمِنْهَا رُوحٌ مُتَوَسِّطٌ، حَطَّ بِهِ عَنْ كَمَالِ الصَّفَاءِ وَالذَّكَاءِ، وَنَحَّى بِهِ مِنْ تِلَالِ الْكَدَرِ وَالْعَمَى، فَلِتَفَاوُتِ الْأَشْبَاحِ وَالْأَرْوَاحِ اخْتَلَفَتِ الْأَقْوَالُ وَالْأَحْوَالُ، فَالْمَحْنُوُّ بِصَافِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute