، وَمَعْنَى الْوَحْيِ: مِنَ الْوَحَا وَهُوَ الْعَجَلَةُ، فَلَمَّا كَانَ الرَّسُولُ مُتَعَجِّلًا لِمَا يَفْهَمُ، قِيلَ لِذَلِكَ التَّفَهُّمِ «وَحْيٌ» ، وَلَهُ مَرَاتِبٌ وَوُجُوهٌ فِي الْقُرْآنِ وَحْيٌ إِلَى الرَّسُولِ: وَهُوَ أَنْ يُخَاطِبَهُ الْمَلَكُ شِفَاهًا، أَوْ يَلْقِيَ فِي رَوْعِهِ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} [سورة: الشورى، آية رقم: ٥١] يُرِيدُ بِذَلِكَ خِطَابًا يُلْقِي فَهْمَهُ فِي قَلْبِهِ حَتَّى يَعِيَهُ وَيَحْفَظَهُ. وَمَا عَدَاهُ مِنْ غَيْرِ خِطَابٍ إِنَّمَا هُوَ ابْتِدَاءُ إِعْلَامٍ وَإِلْهَامٍ، وَتَوْقِيفٌ مِنْ غَيْرِ كَلَامٍ وَلَا خِطَابٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [سورة: النحل، آية رقم: ٦٨] ، {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى} [سورة: القصص، آية رقم: ٧] وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا، ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ النُّبُوَّةَ الَّتِي هِيَ السِّفَارَةُ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِخَصَائِصَ أَرْبَعَةٍ يَهَبُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ، كَمَا أَنَّ إِزَالَةَ عِلَلِ الْعُقُولِ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِالسَّلَامَةِ مِنْ آفَاتٍ أَرْبَعَةٍ يُعْصَمُ مِنْهَا، فَالسَّفِيرُ السَّعِيدُ بِالْمَوَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ سَلِيمٌ عَنِ الْآفَاتِ الْأَرْبَعَةِ، وَالْعَاقِلُ السَّلِيمُ مِنَ الْآفَاتِ الْأَرْبَعَةِ لَيْسَ بِسَعِيدٍ بِالْمَوَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ، فَالْمَوَاهِبُ الْأَرْبَعَةُ: أَوَّلُهَا: الْفَضِيلَةُ النَّوْعِيَّةُ. وَثَانِيهَا: الْفَضِيلَةُ الْإِكْرَامِيَّةُ. وَثَالِثُهَا: الْإِمْدَادُ بِالْهِدَايَةِ. وَرَابِعُهَا: التَّثْقِيفُ عِنْدَ الزَّلَّةِ، وَالْآفَاتُ الْأَرْبَعَةُ الَّتِي يُعْصَمُ مِنْهَا السَّلِيمُ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ. أَوَّلُهَا: الْكُفْرُ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَثاَنِيهَا: التَّقَوُّلُ عَلَى اللَّهِ، وَثَالِثُهَا: الْفِسْقُ فِي أَوَامِرِ اللَّهِ، وَرَابِعُهَا: الْجَهْلُ بِأَحْكَامِ اللَّهِ، فَمَعْنَى الْفَضِيلَةِ النَّوْعِيَّةِ: أَنَّ الْأَحْسَنَ فِي سِيَرِ الْمُلُوكِ وَالْأَحْمَدَ فِي حُكْمِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يُرْسِلُونَ مُبَلِّغًا عَنْهُمْ إِلَّا الْأَفْضَلَ، وَالْمُسْتَقِلُّ بِأَثْقَالِ الرِّسَالِةِ قَدْ ثَقَّفَتْهُ خِدْمَتُهُ، وَخَرَّجَتْهُ أَيَّامُهُ، وَالْعُقُولُ تَشْهَدُ أَنَّ مِثْلَهُ مُقَيَّضًا مُرْتَادًا عِنْدَ الْمُرْسِلِ لِمِثْلِهِ فِي الْإِبْلَاغِ وَالتَّأْدِيَةِ عَنْهُ، فَاللَّهُ الْحَكِيمُ الْقَدِيرُ لَا يَخْتَارُ لِلرِّسَالَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute