الثاني: من كان عاجزاً عن الفريضة عجزاً لا يرجى زواله، فهذا جاءت السنة بالحج عنه (١)؛ وعليه فإذا عجز الإنسان عن الحج بعد وجوبه عليه مع قدرته عليه ماليّاً، والعجز لا يرجى زواله كالكبر والمرض الذي لا يرجى برؤه، قلنا: ينوب عنه من يحج عنه؛ لأن ذلك ثبت بالسنة.
لو وكَّل في حج الفريضة وهو قادر فلا يصح، فإذا حج الوكيل فالحج له؛ لأن هذه الوكالة فاسدة، والفاسد وجوده كالعدم.
والنافلة إذا وَكَّلَ فيها شخصٌ مريضٌ مرضاً لا يرجى برؤه، فحج عنه هذا الوكيل، فهذا لا يجوز؛ لأن ذلك إنما ورد في حج الفريضة، وما دمنا قلنا: إن الأصل في العبادات عدم جواز التوكيل فإنه لا يوكل؛ لأن النافلة لم يرد فيها التوكيل، فنقول لهذا: إن كنت قادراً فحج بنفسك، وإن كنت عاجزاً فلم يوجب الله عليك الحج فلا تحج، ونقول لمن كان قادراً بنفسه: الصدقة بهذا المال أفضل بكثير من أن توكل من يحج عنك، وإعانة حاج لتأدية فرض الحج بهذه خمسة الآلاف، أفضل من أن يحج عنك نفلاً.
لكن بعض العلماء ﵏ توسع في هذا، وقال: إذا كان يجوز له أن يستنيب في الفرض جاز أن يستنيب في النافلة، وعلى هذا فإذا كان عاجزاً عجزاً لا يرجى زواله، فله أن يوكل من يحج عنه، قالوا: لأن طلب الفريضة من الإنسان بدنيّاً أقوى وأشد
(١) أخرجه البخاري في الحج/ باب وجوب الحج (١٥١٣)، ومسلم في الحج/ باب الحج عن العاجز (١٣٣٤) عن ابن عباس ﵄.